هو الابن الثانى لرئيسة وزراء الهند الراحلة (أنديرا غاندى)، وكانت عينها عليه ليكون وريثًا لها؛ إذ يبدو أن الزعماء يجدون أحيانًا فى الابن الثانى ما لا يجدونه فى الابن الأول؛ لأن (راجيف) الابن الأكبر كان قد انخرط فى عمله طيارًا مدنيًّا فى شركة الخطوط الهندية، وتزوَّج من فتاةٍ إيطاليةٍ هى (سونيا غاندى)، ولم يكن له اهتمامات سياسية بالمرة. أما (سانجاى) فكان شابًا واعدًا يجمع بين الشراسة والدهاء، وبين الذكاء والعناد، مع خلفيةٍ واسعةٍ فى الشئون الداخلية الهندية وفهمٍ عميقٍ للشخصيات العامة والساسة الهنود، وكان الكل يعلم أن (أنديرا غاندى) تعدُّه ليكون رئيس وزراء (الهند) على طريق والدته وجدِّه لأمه (جواهر لال نهرو).
تطلع الشعب الهندى والعالم كله وقتها نحو السيدة (أنديرا غاندى) يتابعون أحزانها بين متعاطفٍ معها، وشامتٍ فيها
وقد يُخطط البشر، ولكنَّ الأقدار لها تصاريف أخرى! فقد لقى (سانجاى) مصرعه فى حادث طائرة وهو فى أوج تعاظم دوره وشيوع اسمه بعد تداول أغلب (الهنود) للتوقعات المُحتملة حول زعامة ذلك الشاب لدولة الهند الكبرى. ولا شك أن الخبر قد نزل على والدته رئيسة الوزراء كالصاعقة؛ فقد فقدت أغلى ما تملك، والغريب أنها تمالكت أعصابها وطلبت موافاتها فورًا بساعة يده، حيث قيل وقتها إنها تحتوى على الأرقام السرية لحساباته فى الخارج، ووقفت (الهند) كلها على أطراف أصابعها من هول المفاجأة، وإن كان الكثيرون قد ردَّدوا المقولة الشهيرة: (لقد أنقذ الله الهند)؛ لأنه كان شابًا مغرورًا حادَّ الطبع، شديد البطش، لا تخلو شخصيته من مظاهر العنف، فتطلع الشعب الهندى والعالم كله وقتها نحو السيدة (أنديرا غاندى) يتابعون أحزانها بين متعاطفٍ معها، وشامتٍ فيها! فقد أرادت أن تتحدَّى الديمقراطية الحقيقية لتفرض على الشعب الهندى حاكمًا لا يتحمس له.
وجاء يوم (المحرقة)، وما أدراك ما يوم المحرقة! اتجه الجميع بالجثمان إلى مبنى فسيحٍ فى قلب العاصمة الهندية (نيودلهى) تتقدمهم السيدة (أنديرا غاندى) رئيسة الوزراء متجهةً لحرق جثمان أعز أبنائها، وقد كانت رابطةَ الجأشِ، ولكن فى حزن شديد، فاتجهت إلى المنصة الرئيسية فى المكان وحولها حشدٌ من العائلة والمقربين، حيث تقتضى التقاليد أن تمسك بسيخ حديدى طويل تدفعه فى جمجمة ابنها حتى لا تنفجر من شدة النيران، ثم يجرى دهن الجثمان بالعطور والأبخرة، وفقًا لطقوس الهندوس، ثم يُحرق جثمانه أمام الجميع! لقد كان موقفًا إنسانيًّا صعبًا، وقد اتجهت السيدة (أنديرا غاندى) بعد ذلك إلى الانخراط فى العمل وفرضت على ابنها الأكبر (راجيف) أن يتخلى عن عمله طيارًا مدنيًّا، وأن ينخرط فى الحياة السياسية بديلاً لشقيقه الراحل، مثلما حدث فى (سوريا) عندما لقى (باسل حافظ الأسد) مصرعه فى حادث سيارة، فترك شقيقه طبيب العيون (بشار الأسد) مهنته لكى يخلف والده ويسد الفراغ الذى نجم عن رحيل باسل، الابن الأكبر.
ولقد مضى (راجيف غاندى) يتلمَّس خُطاه الجديدة فى حياةٍ سياسية فرضتها الظروف عليه، حتى وصل إلى زعامة الحزب عندما لقيت أمه مصرعها برصاصات أحد حراسها من طائفة (السيخ) الذين كانوا يشعرون بالإهانة الدينية نتيجة اقتحام قوات الشرطة الهندية لـ(المعبد الأحمر)، وهو قُدس الأقداس لديهم، فاعتبروا ذلك خطيئةً كُبرى من السيدة (أنديرا غاندى) يجب أن تدفع ثمنها. وعندما تولى (راجيف غاندى) رئاسة الوزراء مضى فى طريقه متوازنًا فى وقت كانت فيه (الهند) تبتعد تدريجيًّا عن الكتلة الاشتراكية لتقترب من الغرب و(الولايات المتحدة الأمريكية)، ثم كانت الفاجعة الثالثة لأسرة (نهرو) المنكوبة، عندما لقى (راجيف غاندى) هو الآخر مصرعه بحزامٍ ناسفٍ لأحد أبناء حركة التمرد لجنوب الهند من (التاميل)، عندما احتضنه ليرحلا معًا. بعد ذلك تقدَّمت (سونيا غاندى) صفوف حزب المؤتمر، ولأنها إيطالية الأصل فقد اكتفت برئاسة الحزب دون رئاسة الحكومة، ودفعت بابنها إلى مسرح الحياة السياسية لتستمر أسرة (نهرو) فى حكم الدولة الهندية الكبيرة!
د. مصطفى الفقى;
مجلة 7 أيام العدد 208
تاريخ النشر: 12 يناير 2017
رابط المقالة: https://www.7-ayam.com/%d9%8a%d9%88%d9%85-%d9%85%d8%b5%d8%b1%d8%b9-%d8%b3%d8%a7%d9%86%d8%ac%d8%a7%d9%89-%d8%ba%d8%a7%d9%86%d8%af%d9%89/