الكل يتحدث عن الخطر الذي يتهدد الثورة المصرية ويكاد يطيح بنتائجها ويقطف ثمارها قبل الأوان بينما الذي أراه. ويشاركني الرأي فيه ملايين المصريين. هو الخوف قبل ذلك علي مصر الدولة.
والذين يتوهمون أن العالم مازال ينظر إلينا بإعجاب واهمون كذلك فإن الذين يتصورون أن دول الجوار تنظر إلينا بارتياح هم غافلون.
فلقد انشغلنا في الداخل بهمومنا المتراكمة وشؤوننا المتردية ولم نتنبه بالقدر الكافي للمخاطر المحتملة من مستقبل العلاقات الإسرائيلية المصرية، وكل من يعتقد أن اتفاقية السلام بين البلدين هي نهاية المطاف هو إنسان حسن النية شريف المقصد يبدو باطنه مثل ظاهره ولكن الواقع علمنا أن جيراننا في الدولة العبرية هم غير ذلك حيث تحكمهم أفكار طويلة المدي لاتتغير ورؤية إستراتيجية يصل عمرها إلي مايقرب من قرنين من الزمان، والآن دعنا نفسر ما أوجزناه في النقاط التالية:
أولا:إن صدمة إسرائيل بوقوع ثورة يناير وزوال نظام مبارك كانت مفاجأة بكل المعايير إذ توهمت إسرائيل دائما أن قبضة السلطة في مصر أقوي من الشعب فراهنت عليها وارتبطت بها وتصورت أن مصر هي الفرعون وحده، والذي يرصد المواقف الإسرائيلية يدرك أنها تعطي دائما الأولوية لما يدور في مصر ورغم الحديث الساخط الذي ينطلق من هناك حول الخطر النووي الإيراني إلا أنهم يدركون أن مايعنيهم بالدرجة الأولي هو الخطر البشري المصري! والذي يتابع التصريحات الإسرائيلية التي رصد بعضها الكاتب الصحفي أشرف العشري في عموده بالأهرام منذ أيام يدرك أننا أمام عملية تحضيرية لتعامل جديد مع مصر من جانب الإدارة الإسرائيلية بعد أن أعلنوا هم أنفسهم أنهم فقدوا بقيام الثورة المصرية كنزا استراتيجيا يصعب تعويضه.
ثانيا: إنني أظن. وأرجو ألا يتهمني أحد بالمبالغة والتهويل. أن لإسرائيل يدا في كل مكان بدءا من تجمعات الميادين حيث لهم عناصر خفية وسط جموع الثوار الشرفاء وهم يحومون أيضا حول مراكز صنع القرار بكل مستوياته ويرصدون كل صغيرة وكبيرة علي أرض الوطن ويقيسون يوميا ترمومتر الأوضاع في مصر، ولن ينسوا أبدا اقتحام الشباب المصري مبني سفارتهم علي ضفاف نيل القاهرة وشعورهم بأن الدنيا قد تغيرت وأن المزاج المصري قد تحول رغم أنهم يعلمون أن في أعماق كل المصريين احتراما للالتزامات الدولية والتعاقدات الإقليمية والاتفاقيات الثنائية وأن ما يطلبه غلاة المصريين هو مراجعة بعض بنود اتفاقية السلام وليس هناك علي الساحة المصرية من يقرع طبول الحرب ويدعو إلي المواجهة مع إسرائيل مرورا بكل أطياف اللون السياسي بدءا بالإخوان المسلمين والسلفيين والصوفيين وصولا إلي الوفديين واليساريين والناصريين والأقباط وغيرهم من القوي السياسية علي الجانب الليبرالي أي أن إسرائيل تريد أن تخلق ذريعة من لاشيء وأن تصنع خطرا من العدم.
ثالثا: إن الساسة الإسرائيليين يتجنبون التعليقات الرسمية تجاه ما يحدث في مصر ويحتفظون بعلاقات عادية مع المجلس العسكري وحكومته بل وزادوا عن ذلك أن قدموا أول اعتذار في تاريخهم للدولة المصرية عن جريمة قتل عدد من الجنود المصريين علي خط الحدود ولو بطريق الخطأ كما يزعمون، كما أنهم قد ضبطوا أعصابهم ظاهريا بعد أحداث السفارة الإسرائيلية بالقاهرة وعبر رئيس وزرائهم بنيامين نيتانياهو عن تقديره لظروف مصر وحرصه علي السلام معها، بينما لسان حال الدولة العبرية يقول غير ذلك ويتجه في منحي آخر.
رابعا: إن إسرائيل لم تستوعب بعد تفاصيل المخاطر الناجمة عن أحدات الربيع العربي خصوصا في دول الجوار وتأثير ذلك علي مستقبل الصراع برمته وفقا للحسابات الجديدة التي طرأت علي المنطقة بعد الثورات المتتالية فيها، ويكفي هنا أن نتأمل أسلوب التعامل الإسرائيلي مع أحداث سوريا الأخيرة فبينما يدافع اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية عن ضرورة بقاء النظام القائم في سوريا وضرورة دعمه للاستمرار حفاظا علي موازين القوي الإستراتيجية في تلك المنطقة شديدة الحساسية لأمن إسرائيل نجد في المقابل تصريحات رسمية إسرائيلية تدين النظام السوري بل وتطالب برحيل الرئيس بشار الأسد،ومثل هذا الأمر الذي نشهده ليس جديدا علي المنطق الإسرائيلي المغرم دائما بلعبة توزيع الأدوار وتنويع المواقف من أجل تشتيت الرؤي ومغازلة المستقبل.
خامسا: إن موقف إسرائيل من الثورة المصرية لايمكن أن يكون أبدا حرصا عليها أو دعما لها رغم أن الثوار المصريين لم يركزوا كثيرا علي الخارج ولم تتطرق تصريحاتهم وشعاراتهم تجاه إسرائيل باستثناء ماجري أثناء حادث اقتحام السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، ولقد أعجبني كثيرا تجنب الثوار في الأسابيع الأولي لقيام انتفاضتهم الشعبية أية تصريحات حول العلاقات مع إسرائيل كما أن المجلس العسكري قد بادر فور إقصاء الرئيس السابق مبارك إلي الإعلان عن تمسك مص بتعهداتها الدولية والتزاماتها الإقليمية في إشارة واضحة لاحترام مصر الثورة لاتفاقية السلام مع الدولة العبرية، ولكن لإسرائيل أجندتها الخاصة التي لاتتأثر كثيرا بالإشارات الإيجابية ولكنها تهتم فقط بالإشارات السلبية مع التهويل في المواقف المضادة والتصريحات المعادية، إنها إسرائيل التي لم تتغير ويبدو أنها لن تتغير أبدا!
سادسا: إنني ألفت النظر إلي ضرورة المتابعة الدقيقة والرصد الواعي للتصريحات الإسرائيلية المتناثرة والمواقف التي تصدر من العاصمة العبرية وضرورة قراءتها في إطار فهمنا التاريخي للعقلية الإسرائيلية التي تفكر حاليا بين بدائل ثلاثة الأول هو الاشتباك العسكري مع حزب الله علي نحو يغير مسار الأحداث في سوريا وتتبدل به الأوضاع في المنطقة، والثاني يتمثل في ضربة عسكرية خاطفة لبعض المنشآت النووية الإيرانية لا لإجهاض المشروع الفارسي فقط ولكن لصرف الأنظار عن أحداث أخري، والثالث هو التحرش بالحدود المصرية والعبث باستقرار منطقة شمال سيناء في ظل الظروف الراهنة.
سابعا: إن مسار الثورة المصرية يعي جيدا أن الأخطار الخارجية أشد ضراوة من نظيرتها الداخلية، وأننا أمام لحظة فارقة في تاريخ الدولة المصرية الحديثة، وأن علينا أن نبني المستقبل مثلما هدمنا الماضي، وأن لكلمة الثورة مضمونا سياسيا واقتصاديا وثقافيا وليست فقط مواجهة بين طرفين أو انقساما بين اتجاهين يتحمس أحدهما للمستقبل ويتباكي الآخر علي الماضي... إننا يجب أن نؤمن بأن الأمان الداخلي والأمن الخارجي مرتبطان تماما وأن كلا منهما هو امتداد للآخر..
جريدة الاهرام
28 نوفمبر 2011
http://www.ahram.org.eg/Archive/731/2011/11/28/4/115754.aspx