عشرات الأسئلة يطرحها الناس، وعشرات التساؤلات يرددها الجميع، ماذا يحدث في مصر الآن؟ من هو الوطني المصري الذي يتعمد إهانة القوات المسلحة حامية البلاد؟
ومن هو ذلك الوطني المصري الذي يقبل استباحة دماء أشقائه وأبنائه؟ من هو الوطني المخلص الذي يهبط بالخطابين السياسي والإعلامي إلي الدرك الأسفل؟
من هو المصري الوطني الذي يفسر لنا الأحداث الغامضة والوقائع المؤسفة بدءا من موقعة الجمل مرورا بماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء ومأساة استاد بورسعيد المروعة، أريد عاقلا واحدا يشرح لنا من الذي يقف وراء كل هذا، وما هي القوي الغامضة التي تحرك الأمور في مصر الآن؟! لقد أعلن المجلس الأعلي للقوات المسلحة علي لسان رجاله أنه لم يلطخ يديه بدماء المصريين وجماعة الإخوان المسلمين تردد دائما أنها حريصة علي إتمام التحول الديمقراطي وتشجب العنف وتحزن لسفك الدماء، والسلفيون يقولون إنهم براء مما يحدث وتعلن زعامتهم أن هناك مخططـا يستهدف الوطن في الصميم! وجماعة 6 إبريل تؤكد رفضها لانحراف مسار الثورة وتعلق مشاركتها مرحليا في الاعتصامات الدامية، كما أن كل القوي السياسية تتباري في غسل أيديها مما يجري واستنكار ما يحدث، ويلتقي الجميع حول الدعوة إلي الإسراع في تسليم السلطة لرئيس جديد مع البدء فورا في إعداد دستور دائم للبلاد يكون هناك توافق عام عليه مع قبول وطني طوعي لبنوده المختلفة.
فمن يا تري هي القوي التي تحرك العرائس علي المسرح وتدفع القوي المختلفة في اتجاهات متضاربة؟ هل المطلوب أن نستسلم لنظرية المؤامرة التي تري أن عناصر خارجية ربما كان بعضها من حركة حماس أو حزب الله قد اندست في صفوف المصريين خصوصا وأن القذف بالحجارة هو تقليد ثوري فلسطيني عرفته انتفاضات الشعب الفلسطيني الباسل، كما أن الربط بين ما تردد حول فتح السجون وإطلاق سراح من فيها ومن بينها عناصر غير مصرية كل ذلك يوحي لمن يعتنق نظرية المؤامرة بأن هذه العناصر مازالت تمارس دورها في سيناء والداخل المصري ربما من منطلق إسلامي أو قومي يؤمنون بأيهما أو بهما معا ـ ويجب ألا ننسي هنا أن مصر هي الجائزة الكبري لمن يريد تغيير الأوضاع في الشرق الأوسط بشكل جذري ولذلك فإن الذين يستهدفون مصر إنما يستهدفون المنطقة بأسرها والذين يسعون إلي إسقاط هيبة الجيش المصري العظيم وإضعاف معنوياته إنما يخدمون ـ وربما دون أن يشعروا ـ الدولة العبرية التي سعدت لخروج الجيش العراقي من المعادلة منذ سنوات إلي جانب إنهاك الجيش السوري في قمع الانتفاضة الشعبية ولم يبق إلا الجيش المصري أكبر جيوش المنطقة وأكثرها مهنية، لذلك سعت قوي مغرضة لإنهاك ذلك الجيش العريق والنيل من هيبته وكبريائه، ولن تكون هناك جائزة أكبر من ذلك لدولة إسرائيل ولكل من لا يريدون خيرا لمصر واستقرارا لوطنها وسلاما لشعبها، أليس من الطبيعي بعد هذا كله أن نقول بحق إن مصر في مهب الريح؟ لذلك فإن لنا هنا مطالب ثلاثة هي: أولا: ضرورة اليقظة الوطنية في هذه المرحلة المعقدة من تاريخنا الحديث والانتباه الشديد لكل المخاطر الخارجية والداخلية التي تسعي لتقويض أركان الدولة المصرية تحت مسميات ثورية المحتوي أو شعارات شريفة القصد، فقد يكون الغطاء مقبولا ولكن المضمون مرفوض، فهناك من يدس السم في العسل ونحن عنه غافلون! ثانيا: إن القوي السياسية وفي مقدمتها تلك التي حازت أغلبية في الانتخابات البرلمانية عليها مسئولية تلزمها بأن تدافع عن استقرار البلاد وأمن العباد وألا تستبد بها شهوة السلطة علي حساب المصالح العليا للوطن وغاياته الكبري في الاستقرار والنهضة، لأن المشروع الإسلامي يجب أن يكون محكوما بإطار الوطنية المصرية في كل الظروف، ثالثا: إن القوات المسلحة قد حمت الثورة في بدايتها ويجب أن يكون ذلك مذكورا لها وإن كانت هناك بعض الأخطاء في إدارة البلاد فإن ذلك يجب ألا ينال إطلاقا من مكانة جيشنا الذي تحمل مسئولية لم تكن له وحاول بقدر ما أتيح له من خبرة ومعرفة أن يحمي الوضع الداخلي وأن يرصد التهديد الخارجي في وقت واحد، وليس من مصلحة مصري عاقل أو وطني غيور أن يحطم الصورة الذهنية الرائعة لجيش العبور وداعم ثورة25 يناير2011 خصوصا أنه قد بقيت أسابيع قليلة علي الموعد المتفق عليه لتسليم السلطة لرئيس مدني وحكومة وطنية وبرلمان شرعي.
.. هذه قراءة عاجلة في المشهد المصري الراهن بكل ما فيه من أفكار متضاربة وتصريحات صاخبة ومناقشات حادة، بل وما فيه أيضا من دماء طاهرة تناثرت في زحام الاعتصامات ووسط ضجيج المظاهرات لأننا أمام فترة عصيبة من تاريخ الوطن المصري الذي نراه يتأرجح في مهب الريح! وقد يقول قائل إن التوصيف معروف والكل شاهد علي حالة الفوضي التي نعيشها ويبقي السؤال المطروح: هل كتب الله علي مصر وشعبها أن يعيشا في ظل نظام الاستبداد والفساد؟ أو نظام الانفلات الأمني والعشوائية السياسة؟ لماذا لا يكون من حق المصريين أن يختاروا طريق الوطنية المصرية سبيلا للخلاص مما هم فيه والانتقال إلي مرحلة الاستقرار والبناء بدلا من مرحلة الحرائق والاعتصامات غير المبررة والهجوم علي معقل الدفاع عن وطن تتهدده المخاطر من كل حدب وصوب، سوف يبقي هذا السؤال معلقا في رقابنا لأننا نتأرجح الآن بين مشروع متكامل للنهضة يجب أن نسعي إليه، وماض أليم نحاول الفكاك منه، وحاضر مضطرب ينذر بأخطر العواقب وأسوأ النتائج، وليس يعني ذلك أن ما جري هو خطيئة الثورة بل هو في ظني تراكم السنوات التي سبقتها وإغماض العين عن نيران كانت تحت الرماد و تجاهل نفوس مشحونة بالإحباط والكراهية وتراكم مرارة السنين.
.. إن الصحوة هي أسلوبنا، واليقظة هي سلاحنا، والمسار الوطني الرشيد هو طريقنا.
جريدة الاهرام
14 مايو 2012
http://www.ahram.org.eg/Archive/899/2012/5/14/4/149374.aspx