لا أجد مبررًا للقلق الذى يصيب البعض لوجود بعض الشخصيات المعروفة إعلاميًا على الساحة السياسية المصرية فى مجلس النواب، بينما أرى- شخصيًا- أن وجودهم إضافة إيجابية لـ«البرلمان» الجديد، وأنهم سوف يكونون مصدر حيوية لأعمال المجلس وفعالياته، ولو استعرضت بعض الأسماء التى جرى انتخابها فإننى أرى، على سبيل المثال، أن الإعلامى «توفيق عكاشة» قد جاء إلى «البرلمان» بأغلبية ساحقة، وأنه وطنى مصرى غيور على وطنه، وقد لعب دورًا مؤثرًا بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو، ووصل صوته إلى أعماق القرى وبسطاء الناس وأنا- شخصيًا- أجد متعة فى الاستماع إليه ومتابعة ما يقول، أما المستشار «مرتضى منصور» فإننى أحسبه- بما له وما عليه- نبضًا حيًا لضمير الوطن قد تعوزه الطريقة، ولكن لا تغيب عنه الحقيقة وكل ما يشكو منه البعض هو عباراته الحادة وكلماته القاطعة، ولكنه مصرى وطنى ارتفع صوته فى كل العهود بدرجة عالية من الشجاعة والشفافية والتعبير عن المسكوت عنه، ولقد زاملته دورة برلمانية كاملة، وشهادتى فى حقه غير مجروحة، لأننى عرفته عن قرب، أما الدكتور «عبدالرحيم على» فقد بدأ حياته مناضلًا يساريًا وعكف سنوات طويلة على دراسة ملفات جماعة «الإخوان المسلمين»، وخرج منها بمجموعة مؤلفات مبهرة، وأتذكر أنه قد أسعدنى بزيارة إلى مكتبى منذ سنوات وأهدانى تلك المؤلفات التى وجدت فيها جهدًا علميًا كبيرًا وروحًا وطنية خالصة، لذلك لم أضق ذرعًا عندما نشر «تسريبة» لى حول مكالمة هاتفية لتهنئة «عصام العريان» بقيام حزب «الحرية والعدالة»، وأثلج صدرى كثيرًا اجتياحه لدائرته الانتخابية من أول جولة، وكان قد دعانى لزيارة مركز الدراسات الذى أنشأه حديثًا وبهرنى المكان وأسلوب العمل، إذ يكفى أن مفكرًا مصريًا كبيرًا، هو عالم الاجتماع والسياسة «سيد ياسين»، يجلس على قمته، لذلك فإننى أرى أن وجود «عبدالرحيم على» و«مرتضى منصور» و«توفيق عكاشة» هو «البهارات» التى سوف تعطى «البرلمان» الجديد مذاقه الشعبى وروحه الوطنية، أضيف إلى هؤلاء أشخاصًا تجب الإشادة بحيويتهم السياسية وتميزهم البرلمانى، إذ إن «مصطفى بكرى» فى نظرى مصرى صعيدى «إيجابى النزعة»، «شعبوى التوجه»، وأشهد أن صوته كان قويًا فى التعبير عن وجهات نظر جرى التعتيم عليها من قبل والتعبير عن قضايا مسكوت عنها قبل ثورة 25 يناير وبعدها، ولست أشك فى أن وجوده تحت «القبة» هو إضافة لخبرة سياسية وبرلمانية فى وقت يحتاج فيه الوطن إلى خبرة كل أبنائه، وأضيف إلى هؤلاء أسماء أخرى عرفتها عن قرب، مثل المناضل التاريخى «كمال أحمد»، نائب «الإسكندرية» الذى أعتز دائمًا بعلاقتى به على امتداد 50 عامًا، كذلك فإننى أحيى جرأة النائب «محمد أنور السادات»، نائب «المنوفية»، عند إبداء رأيه، وهو ما كلفه عضويته للمجلس وطرده منه قبل ثورة 25 يناير 2011، أما الفقيه القانونى والمحامى اللامع «علاء عبدالمنعم» فإننى أراه برلمانيًا رصينًا ومتحدثاً جريئًا وقانونيًا ضليعًا،
وقد علمت أنه قد أمضى وقتًا طويلًا فى الفترة الأخيرة يدرس «الأجندة البرلمانية» ويحلل القوانين التى جرى اتخاذها فى غيبة «البرلمان»، وذلك إسهام تشريعى لا يقوم به إلا نواب من هذا الطراز، أما الدكتورة «آمنة نصير» واللواء «سعد الجمال» والأستاذ «هيثم أبو العز» وأستاذ الاقتصاد د. «كريم سالم» وغيرهم ممن لا تسعفنى الذاكرة بالإحاطة بكل أسمائهم، خصوصًا العناصر الجديدة والأعضاء الشباب، فإن فرحتى بهم بغير حدود، ولقد لفت نظرى أن بعض رجال المخابرات القدامى ممن قدموا للوطن خدمات جليلة قد اكتسحوا عددًا من الدوائر المهمة فى «القاهرة»، ولعلى أذكر هنا اسم «حاتم باشات»، الذى فاز فى «دائرة الزيتون»، و«مدحت الشريف» فى «مصر الجديدة» وغيرهما، والملاحظ أن رجال المخابرات القدامى قد فازوا دون ضجيج نظرًا لخبرتهم فى التأثير على مراكز الأعصاب داخل المناطق التى يمثلونها دون دعاية صاخبة أو دور للمال السياسى، وسوف يكون وجودهم فى المجلس إثراءً حقيقيًّا للجان الأمن القومى والشؤون الخارجية والشؤون العربية وغيرها.
وهل تفوتنى الإشادة بموسوعة القضية الفلسطينية والخبير الوطنى فى «الإسرائيليات» الدكتور «سمير غطاس»، بما يمثله فوزه من أول جولة فى دائرة المثقفين «مدينة نصر» من تطور إيجابى على الساحة الوطنية وتحول جذرى فى معايير تقييم المرشحين، وفقًا لمبدأ «المواطنة» الذى نعتز به وندافع عنه، ولا شك أن هناك عشرات الأعضاء رجالًا ونساءً ممن يستحقون الإشادة، وأنا أتذكر البرلمانى والوزير السابق «د. على مصيلحى»، الذى اعتمد على رصيده الشخصى فى خدمة الناس ومواصلة الدفاع عن حقوقهم، فجاء وجوده فى المجلس الجديد لكى يثبت أن القطيعة الكاملة مع الماضى هى مسألة تحتاج إلى مراجعة أمينة، فليس كل السابقين آثمين، وليس كل الجدد ملائكة! لأنه وطن يدفع بأبنائه فى موجات تتوالى مع دورة الزمان و«مصر» ولادة كما يقولون.
إننى لا أخفى ارتياحى، بل وسعادتى، للمجلس الجديد والخبرات التى يحتويها، مضافة إلى أسماء معروفة مثل السفير «محمد العرابى»، وزير الخارجية الأسبق، واللواء «سامح سيف اليزل»- أتم الله شفاءه- ووزير الإعلام الأسبق «أسامة هيكل»، والخبير الأكاديمى والمحلل السياسى الدكتور «عماد جاد»، وأتصور أن مجلسًا يضم أكثر من 85 مقعدًا تمثلها المرأة المصرية مقارنة بتسع سيدات فقط فى الدورتين اللتين عاصرتهما فى المجلس، فإن ذلك إنجاز كبير، كما أن وجود هذا العدد من الأشقاء «الأقباط» هو علامة مضيئة على طريق المستقبل بعد أن كانوا لا يدخلون المجلس فى العقود الأخيرة إلا بالتعيين وبعدد لا يزيد كثيرًا عن أصابع اليد الواحدة، لقد كان ذلك وضعًا مخجلًا، وقد زال ولن يعود، أما الشباب الذين يحتل عدد كبير منهم مقاعد المجلس الجديد فلهم تحية الوطن والتطلع بهم إلى مستقبل أفضل، كذلك فإن ذوى الاحتياجات الخاصة من المصريين والمصريات الذين قد أصبحوا تحت قبة «البرلمان» لأول مرة فى تاريخ البلاد هم إضافة إيجابية للعقل المصرى والجهد الوطنى، كما أن من قدموا لعضوية المجلس من الخارج إنما يمثلون إطلالة لازمة على شجون الوطن وهمومه وغاياته.
.. مرحبًا بالمجلس الجديد مهما يكن رئيسه أو هيئة مكتبه أو رؤساء لجانه، فهو فى النهاية مجلس نواب «مصر»!
جريدة المصري اليوم
15 ديسمبر 2015
https://www.almasryalyoum.com/news/details/858656