أبرز رواد الشعر الحديث فى عصرنا هو وصديق مسيرته الراحل «صلاح عبدالصبور»، وهو أيضًا مفكر متميز ومثقف كبير قطع أشواطًا واسعة عبر حياته المثيرة للجدل، وخاض معارك ضارية مع أطراف تتفاوت قيمتهم بدءًا من المفكر والأديب والشاعر «عباس محمود العقاد» عندما قرر الشعراء المحدثون التمرد على شعر «القافية العمودى» فاستهجن «العقاد» ذلك بشدة، وكان يحيل ما يكتبونه إلى «لجنة النثر» فى «المجلس الأعلى للعلوم والفنون والآداب» وعندها عارضه «حجازى» بقصيدة عمودية مقفاة يفخر بها على «العقاد».
مؤكدًا له أنه وزملاءه المجددين يستطيعون كتابة الشعر التقليدى، ولكنهم يمتثلون لإيقاع العصر ويستجيبون لروح الحداثة، ثم مضت حياة شاعرنا الكبير تدفع به إلى المنافى أمام بطش الحكام واختلافه معهم فى الرؤية والرأى، حيث قضى معظم سنوات حكم الرئيس الراحل «السادات» فى العاصمة الفرنسية يلقى محاضراته على طلاب جامعة «باريس»، وعندما حاول بعض الأشقاء العرب من الرافضين لسياسات «السادات» بعد زيارة «القدس» وتوقيع اتفاقيات «كامب ديفيد» انبرى «حجازى» دفاعًا عن وطنه رافضًا المساس باسم «مصر» فى الخارج حتى ولو اختلف هو مع «الفرعون» الجالس على مقعد الحكم فى «قاهرة المعز»،
وعندما علم «السادات» بذلك أكبر فيه ما فعل وقدر اعتزازه الشامخ بوطنه ثم عاد الشاعر الكبير إلى «مصر» وفتحت له الصحيفة اليومية الأولى «الأهرام» صفحاتها شاعرًا وكاتبًا وناقدًا، وظل يخوض معاركه مع الرفاق والخصوم على حد سواء، ولقد تأثر كثيرًا برحيل صاحب (أحلام الفارس القديم) «صلاح عبدالصبور» وظل هو يحمل منارة التنوير ويضىء مصابيح الحرية ويرفض الأغلال والقيود ويدافع عن القيم الإنسانية فى شجاعة ينفرد بها، وقد دفع الثمن دائمًا حتى إن جائزة «النيل العليا» تأخرت عليه ولم ينلها إلا بعد ثورة 25 يناير 2011!، وهاجمه الكثيرون وافترى عليه البعض ورفع عليه الشيخ «يوسف البدرى» «قضية حسبة»، وكاد الحكم أن يتحول إلى حجز قانونى على منقولات منزل الشاعر الكبير، وعندئذٍ انتفض المثقفون المصريون حتى الذين ينتقدونه لأنهم كانوا ينتصرون لقضية الحرية فى مواجهة محاولة فرض الجمود على حياتنا الثقافية والفكرية، وتقدم الصفوف المفكر والأديب الكبير «جابر عصفور» وزير الثقافة الأسبق دفاعًا عن القيم التى التزم بها كل مفكر حر وكل مصرى شريف تصديًا للتراجع الفكرى والتشويش الثقافى، وتربطنى بالشاعر الكبير صلات قديمة تعود إلى ستينيات القرن الماضى عندما كان أخوه الراحل «محمد حجازى» زميلاً لى فى «منظمة الشباب العربى الاشتراكى»، وكان قريبًا إلى قلبى بسبب شخصيته الثرية وروحه الطيبة، وكنا ننظر جميعًا إلى الشاعر الكبير مع بدايات تألقه بكل الإعجاب والانبهار، ولقد جمعتنى بالشاعر الكبير مناسبات كثيرة بعد ذلك وتوطدت علاقتى به وقبلت دعوته الكريمة إلى عشاء فى منزله، خصوصًا أن قرينته الفاضلة هى موسيقية معروفة وابنه فنان هو الراحل «عبدالفتاح غبن»، حيث تميز أشقاؤها أيضًا فى مجالات التمثيل والمسرح وأصبحت العائلة فى مجملها نموذجًا لانصهار الشعر والأدب والفن بل إن أولاد الشاعر الكبير قد ورثوا عنه عزة النفس وكبرياء الذات واحترام الآخر ولا يزال الرجل يناضل فى بسالة أمام الحكام مهما بلغت قسوتهم، واشتدت سطوتهم ويزداد معجبوه وتتألق أشعاره وتتزايد قيمته وتتضاعف شعبيته، أمد الله فى عمره ليواصل عطاءه بالكلمة والقصيدة لا يداهن أحدًا ولا ينحنى إلا أمام خالقه، وقد شارك الرجل فى شجاعة فى مقاومة حكم «جماعة الإخوان» فى السنة التى وصلوا فيها للسلطة، بل تحدث إلى رئيس وزرائهم فى اجتماع «المجلس الأعلى للثقافة» فى جرأة عرفناها عنه على مر السنين.. بارك الله فيه وله، شاعرًا ومفكرًا وأديبًا وناقدًا.
جريدة المصري اليوم
12 فبراير 2014
https://www.almasryalyoum.com/news/details/392523