صديق متميز، ومصرفى مرموق بدأ حياته فى السلك الدبلوماسى لفترة قصيرة رغم أنه كان أول دفعته، فقد تحدث لى ذات صباح فى المعهد الدبلوماسى عن رغبته فى العمل بالبنوك بدلاً من «وزارة الخارجية»، وقال إنه يجد نفسه فى القضايا الاقتصادية والمالية أكثر مما يجدها فى الخدمة الدبلوماسية، رغم أنه ينتمى إلى عائلة ذات صلة وثيقة بالعمل الدبلوماسى وكان من أبرز أفرادها والده السفير «عبدالشافى اللبان» الذى كان وكيلاً للخارجية وسفيراً لمصر فى العاصمة السويسرية ويومها قلت للملحق الدبلوماسى «عادل اللبان» إننى أحترم فيك أنك تريد أن تفعل ما تريد وليس ما يريده الآخرون، وكانت مصر تشهد فى ذلك الوقت البدايات الأولى لسياسة الانفتاح الاقتصادى ودخول البنوك الأجنبية إلى مصر فى موجة حماس اقتصادى اقترنت بالسنوات الأولى لعصر الرئيس الراحل «أنور السادات»، وتابعت مسيرة «عادل اللبان» بعد ذلك وهو يصعد سلم العمل المصرفى فى سرعة وتألق باهرين، حيث عمل فى أحد البنوك الأجنبية الكبرى ثم تولى منصباً رفيعاً فى أحد البنوك المصرية العريقة ولكن الصراعات لم ترحمه والغيرة من صعوده المبكر حاصرته من كل اتجاه حتى قرر أن يترك الوطن، وأن يتولى منصباً مصرفياً كبيراً فى دولة «البحرين»، وما أكثر ما عرض عليه من مناصب رفيعة بسبب شهرته فى مجال خبرته، وقد تواصلت بينى وبينه الصلة التى كنت حريصاً على ألا تنقطع إيماناً بكفاءته وتقديراً لشخصيته، وعندما عينت سفيراً لبلادى فى العاصمة النمساوية «فيينا» فوجئت به يرسل لى دراسة وافية عن الاقتصاد النمساوى وهياكله وآفاق أنشطته المتعددة حتى تكون عوناً لى فى عملى،
وقد أكبرت فيه ما فعل وقدرت كثيراً حرصه على الصداقة وحبه للآخرين، ولقد ظلت بينى وبينه وثائق الصلة أتابع أخباره منه مباشرة ومن أقاربه من عائلة السفير الراحل «الشافعى عبدالحميد» وأشقائه إلى أن اندلعت ثورة 25 يناير 2011 وبدأت هموم الاقتصاد المصرى تتراكم وبدأنا جميعاً نبحث عن منقذ من أبناء مصر المتميزين، هذا يتحدث عن الدكتور «محمد العريان» وآخر يتحدث عن غيره، ولكن هناك اسماً بزغ وبدأ يردده الكثيرون من أهل الخبرة وهو اسم المصرفى الدولى «عادل اللبان»، مطالبين بعودته لبلاده صاعدين به من منصب وزير إلى منصب رئيس وزراء فى هذه الظروف الصعبة لمصرى قدره الآخرون قبل أن تقدره بلاده، وقلنا وقتها (إن شاعر الحى لا يطربه) ولكن آن الأوان للطيور المهاجرة أن تعود لأعشاشها خصوصاً فى وقت يحتاج فيه الوطن إلى كل كفاءات أبنائه وخبرات رجاله، وقد بادرت واتصلت هاتفياً بالسيد «عادل اللبان» وناقشته فى أسباب عزوفه عن المناصب الاقتصادية العليا فى بلاده وكان رأيه أن الوضع معقد، وأن الظروف صعبة وتحتاج إلى قرارات شجاعة ليس الجميع مهيئين لها، وقد أضاف لى فقرة لا أنساها عندما قال (إن البدء فى إصلاح الاقتصاد المصرى لا يكون بإصدار القرارات الصحيحة فقط، ولكن بالتوقف عن القرارات الخاطئة قبل ذلك).
إن نموذج «عادل اللبان» يطرح أمام المصريين أسلوبهم التاريخى فى إهدار مواردهم البشرية، وإبعاد كفاءاتهم الرفيعة وإقحام العوامل الشخصية فى الحياة العامة على حساب المصالح العليا للبلاد.. تحية لابن بار من أبناء مصر وكفاءة رفيعة يبدو الوطن فى أشد الحاجة إليها، فقد آن الأوان للطائر المغرد أن يعود إلى أحضان الوطن.
جريدة المصري اليوم
6 نوفمبر 2013
https://www.almasryalyoum.com/news/details/343158