وزير خارجية «إيران» الحالى جمعتنى به ظروف ذات طابع سياسى وأكاديمى، وكان ذلك فى نهاية شهر يناير عام 1995، حيث وجهت لنا إدارة «منتدى دافوس» الشهير، قرب مدينة «زيورخ» فى «سويسرا»، الدعوة لكلينا للمشاركة فى مناظرة ثنائية حول موضوع (الدين والسياسة فى الشرق الأوسط)، كما طلبت منى إدارة المنتدى أن ألقى كلمة الافتتاح عن (الإسلام فى عالم متغير)، وكنت وقتها مديرًا «لمعهد الدراسات الدبلوماسية»، بينما كان السفير «محمد جواد ظريف» نائبًا لوزير خارجية «إيران»، وهو الذى شغل عدة مناصب دبلوماسية مهمة فى الداخل والخارج، وقد ألقيت كلمتى فى الجلسة الافتتاحية، حيث قدمنى فيها السيد «ريمون بار»، رئيس وزراء «فرنسا» الأسبق، ثم جاءت الجلسة الثانية بمناظرة مشتركة، وقد اتسمت العلاقة بينى وبين زميلى المتحدث الآخر بالود والاحترام، رغم القطيعة الدبلوماسية بين بلدينا والتباين الفكرى بين نظامى الحكم فيهما، لكننا اتفقنا- أنا المسلم السنى وهو المسلم الشيعى- على أن الفروق المذهبية يجب ألا تؤدى إلى مواجهات سياسية، فالإسلام واحد، ومازلت بهذه المناسبة أتذكر أن السيد «محمد خاتمى»، رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الأسبق، قد قال لى فى لقائنا بفندق «كونراد» أثناء زيارته الوحيدة بمصر- وهو الإمام الشيعى المستنير وأستاذ الفلسفة الإسلامية الذى درس فى الجامعات الألمانية: (إن الفوارق بين الشيعة والسنة مبالغ فيها، بل ومصطنعة، فالقرآن كتابنا و«محمد صلى الله عليه وسلم» نبينا، والكعبة الشريفة قبلتنا، وأركان ديننا واحدة، بينما الاختلافات طفيفة وترجع إلى تفسير الفقهاء ومشاهدات الرواة من كتبة التاريخ الإسلامى فى عصره الأول، خصوصاً فى سنوات «الفتنة الكبرى»)، وأظن أن عبارة السيد «خاتمى» كانت ترن فى أذنى، حتى إننى قلت العبارة الشهيرة «إن مصر بلد سنية المذهب شيعية الهوى»، لذلك اتسمت أضواء العلاقة بينى وبين السيد «محمد جواد ظريف» بالتفاهم المشترك والفهم العميق للدور المتجذر للدين فى سياسة «الشرق الأوسط»، باعتبار أن تلك المنطقة فى وسط العالم هى مهبط الرسالات السماوية وملتقى الديانات «الإبراهيمية».
كما أن الخلط بين السياسة والدين ظاهرة تحتاج دائمًا إلى الحذر فى المعالجة والأخذ بأساليب العصر عند محاولة ترشيدها، ثم وضعها فى إطارها الصحيح، ولابد أن أعترف بأن المسؤولين الإيرانيين، خصوصاً فى السلك الدبلوماسى، يتعاملون بود ظاهر وتقدير واضح مع أقرانهم من «مصر»، لاسيما إذا كان الحوار يقف على أرضية أكاديمية يمكن الاحتكام إليها والبناء عليها، ولم تجمعنى بالدبلوماسى الإيرانى اللامع «محمد جواد ظريف» بعد ذلك إلا لقاءات عابرة فى مناسبات مختلفة، وعندما زرت «إيران» عام 2001 لحضور مؤتمر «نصرة الشعب الفلسطينى» التقيت أثناء زيارة «طهران» السيد «محمد على أبطحى»، نائب رئيس الجمهورية، لعدة مرات، وكادت العلاقات الدبلوماسية الكاملة تعود بين البلدين لولا بعض المواقف الحادة لبعض التيارات المتشددة فى «إيران»، وأيضاً بعض المخاوف الأمنية غير المبررة فى «مصر»، وقد سألت أثناء زيارتى عن رفيق «ندوة دافوس»، السفير «محمد جواد ظريف»، لكنه كان خارج بلاده، إلى أن بدأت مؤخرًا أتابع أخباره وزيرًا لخارجية جمهورية «إيران الإسلامية» فى هذا الظرف الصعب الذى تحتدم فيه الأزمة السورية فى جانب، مع اختراقات إيجابية للملف النووى الإيرانى فى جانب آخر، ولقد تعلمت من الثورة الإيرانية الإسلامية درسًا، وهو أن «تيار الإسلام السياسى» فى الدول «السنية» فقير الكوادر، عاجز عن الحكم، ليس لديه رجال دولة، على خلاف ما جرى للإسلام السياسى فى دولة «شيعية» كبرى مثل «إيران» رغم اختلافاتنا السياسية معها، وتباين وجهات نظرنا، وإيماننا بأن دولة «إيران» الحالية تملك أجندة موزعة فى أنحاء العالم العربى ما بين اغتصاب «الجزر الإماراتية»، والتدخل فى الشؤون الداخلية «البحرينية»، إلى الدور المتزايد لـ«حزب الله»، خصوصًا فى الأزمة السورية، لكن يبقى الباب مفتوحًا فى ظل كوادر دبلوماسية ذكية من نمط السيد «محمد جواد ظريف»، الذى يحمل من اسمه نصيبًا وافرًا مع خبرة دبلوماسية طويلة وتمرس بشؤون الدولة الإيرانية على امتداد عدة عقود.
جريدة المصري اليوم
30 أكتوبر 2013
https://www.almasryalyoum.com/news/details/343014