لا أنحاز لمهنتى الدبلوماسية بقدر رغبتى فى أن أقدم نموذجاً مشرقاً ومشرفاً للمرأة المصرية، فالسفيرة «منى عمر» سيدة من «مصر» تساوى أحياناً أكثر من عشرة رجال بحكم المهام الصعبة التى اضطلعت بها والمواقف الجسورة التى اتخذتها والمخاطر التى تعرضت لها، لقد تركت الخدمةـ منذ فترة وجيزةـ كمساعدٍ لوزير الخارجية للشؤون الأفريقية ورئيس لـ«مجلس شؤون السلكين» للوزارة بأقدميتها، وتركت وراءها بصمات واضحة فى التاريخ الحديث للدبلوماسية المصرية وبنات جيلها اللامعات فى المجالات المختلفة، وهى بالنسبة لى أقرب إلى التلميذة منها إلى الزميلة بحكم فارق العمر، كما أنها قرينة صديقى السفير «صلاح حليمة» صاحب الدور المشهود فى منطقة «القرن الأفريقى» سفيراً للخارجية المصرية أو مبعوثاً لـ«جامعة الدول العربية»، ونعود إلى الدبلوماسية الصلبة السيدة «منى عمر» التى كسرت حاجز الخوف لدى الدبلوماسيات واقتحمت المجال الأفريقى فى أصعب دوله، فافتتحت أول سفارة لنا فى دولة جنوب أفريقيا فى ثوبها الجديد بعد سقوط النظام العنصرى الذى اعتمد سياسة «الأبارتيد»، وفتح سفارة لأول مرة فى دولة كبيرة بعد انقطاع امتد ثلاثين عاماً ليس مسألة سهلة على دبلوماسية شابة فى مطلع تسعينيات القرن الماضى، ولقد زادت على ذلك أن قبلت أن تكون سفيرة لمصر فى دولة رواندا أثناء الحرب الأهلية فيها، ثم عادت إلى جنوب أفريقيا سفيرة لبلادها، واختتمت عملها بالخارج سفيرة لمصر لدى الدنمارك فى ظل أزمة الرسوم المسيئة للرسول الكريم، فتصرفت منى عمر إزاء تلك الجريمة بحكمة وشجاعة كانت محل تقدير أعضاء مجلس الشعب المصرى وقتها، ولقد ملكت هذه السيدة الفاضلة الجرأة دائماً لاقتحام المخاطر من أجل وطنها والتمثيل المشرف لبلدها مع إتقانٍ كامل للغتين الإنجليزية والفرنسية، فهى سليلة عائلة عريقة من محافظة «الغربية» وشقيقها هو الكاتب الصحفى محمد عمر، نائب رئيس تحرير «أخبار اليوم» والذى ترجع صداقتى الوطيدة به لسنوات عمله مندوباً فى رئاسة الجمهورية، عندما كنت سكرتيراً سياسياً للرئيس الأسبق «مبارك»، وأتـذكر للسفيرة منى عمر موقفاً فى ظل رئاسة الرئيس السابق د.محمد مرسى، حيث أصدرت تصريحاً صحفياً قوياً يدين نشاط الجماعات الإرهابية فى صحراء «مالى» الأفريقية فى وقتٍ كانت فيه حكومة «الإخوان المسلمين» فى «القاهرة» تتعاطف مع تلك الجماعات ولا تتحمس لإدانتها ومقاومة وجودها، وقد أوفدت الخارجية المصرية السفيرة «منى عمر» بعد أحداث الثالث من يوليو الماضى ـ ضمن مجموعة من ألمع سفرائنا المتقاعدين ـ لشرح حقيقة الوضع وإظهار وجهة النظر المصرية خصوصاً بعد قرار الاتحاد الأفريقى تجميد عضوية مصر، وقد التقت السفيرة برؤساء أكثر من ست دول فى أنحاء القارة تشرح وتفسر وتقنع، واستطاعت العودة بمواقف إيجابية لدول أفريقية شقيقة أدرك حكامها الحقيقة، ولعل زيارتها لإثيوبيا تحديداً كانت هى قمة نجاحها بحكم ما يربطنا بهذا البلد الشقيق من أواصر تاريخية ونيلية، فضلاً عن أزمة «سد النهضة» فى الشهور القليلة الماضية، ولقد سمعت تلك الدبلوماسية الرائعة من الجانب الإثيوبى، ما أفزعنى شخصياً وهو أن الرئيس السابق د.محمد مرسى فى أول زيارة له إلى إثيوبيا فى شهر يوليو 2012 لم يجد موضوعاً يهتم به ويعطيه أولوية إلا طلب الإفراج عن المجموعة الباقية ممن حاولوا اغتيال الرئيس الأسبق «مبارك» بأديس أبابا فى يونيو 1995، فالعلاقات الإثيوبية- المصرية لم تكن فى أولويات الرئيس السابق د.مرسى ولا «ملف مياه النيل» ولا شؤون الاتحاد الإفريقى، لذلك وصلنا فى النهاية إلى ما جرى على أرض الكنانة والدماء الزكية التى سالت فوقها.
إن السفيرة منى عمر نموذج مشرف للمرأة المصرية علماً وعملاً وخلقاً، مع هدوء فى الطبع ورصانة فى التفكير وحكمة فى اتخاذ القرار، ومازلت أتذكر عندما تقدم ابنها لامتحان السلك الدبلوماسى فى درجة ملحق فأبى عليها كبرياؤها أن توصى عليه أياً من زملائها أعضاء لجنة الاختبار الشفهى وتركته يرسب، ليحاول مرة أخرى فى سنة تالية ويجتاز الاختبار بتفوق، معتمداً على جهده وغير مستند على دعم والديه، فتحية لها اسماً لامعاً فى سماء الدبلوماسية المصرية وشخصية متألقة لتمثيل المرأة العربية، واحتراماً لها سفيرة وأماً وزوجة لأسرة مصرية محترمة فى ظل هذه الظروف الصعبة والمرحلة المعقدة التى يحتاج فيها الوطن المصرى إلى جهد كل أبنائه وبناته دون استثناء أو إقصاء أو تفرقة.
جريدة المصري اليوم
21 أغسطس 2013
https://www.almasryalyoum.com/news/details/199565