هى سيدة من «مصر» يفخر بها الوطن وتعتز بها المرأة العربية والمسلمة فى كل العصور، هى أرملة الراحل «أحمد حسين» الذى كان وزيراً وسفيراً لمصر فى العاصمة الأمريكية «واشنطن» وإذا كان «محمد محمود باشا» قد قال ذات يوم فى عزة وكبرياء «إنه ابن من عرض عليه العرش فأبى» فإن من حق «عزيزة حسين» أن تقول أيضًا فى شموخ وخيلاء «إنها من عُرض عليها المنصب الوزارى فرفضته» لأنها أكبر من وزيرة وأهم من أن يستغرقها العمل الإدارى والروتين اليومى، لذلك كان اعتذارها لرئيس الوزراء الأسبق الراحل «ممدوح سالم» محل تقدير واحترام من كل الذين عرفوها، وهى فى ظنى الرائدة العظيمة للعمل الاجتماعى فى مصر الحديثة، وهى لا تزال ذات عطاء متواصل.
وقد جاوزت التسعين من عمرها المديد، وعندما كنت أستاذاً بالجامعة الأمريكية بالقاهرة كان من بين تلميذاتى المرموقات فى ثمانينيات القرن الماضى الطالبة «عزيزة سامى» ابنة أستاذٍ شهير فى الطب كان عميداً لكليته الضخمة فى «جامعة القاهرة».
وقد حملت اسم خالتها، وهى بالمناسبة زوجة الكاتب الصحفى المتميز «جمال زايدة» الذى كان مستشاراً إعلامياً لمصر فى «كندا» لعدة سنوات، وذات مساء دعتنى أنا وزوجتى تلميذتى «عزيزة سامى» على حفل عشاءٍ فى منزل أبويها وكانت درة العقد وزهرة الجلسة هى خالتها «عزيزة حسين»، ويومها كانت سعادتى بالغة أن التقيت بتلك الرائدة العظيمة وسعدت بالحديث إليها والحوار معها.
وأتذكر أن جهاز التليفزيون كان يذيع بالمصادفة حواراً معها جرى تصويره تليفزيونياً فى وقتٍ سابق، ولقد تابعنا حديثها ذلك المساء بإعجاب وتقدير زائدين خصوصاً أن لدى تلك السيدة الفاضلة مخزوناً كبيراً من التجارب مع ذاكرة قوية وحضور طاغٍ لشخصية فريدة لم تلهث وراء الأضواء ولم تبحث عن المناصب، بل ظلت طوال عمرها نموذجاً للكبرياء واحترام النفس، وتمتعت بشهرة دولية واسعة حتى إنها كانت رئيسة «للاتحاد الدولى لتنظيم الأسرة» بالأمم المتحدة، واعتبرت واحدة من أبرز الشخصيات النسائية فى عالمنا المعاصر والتقت شخصياتٍ عالمية وشاركت فى مناسبات دولية على امتداد عمرها المديد، فعرفت عن قرب الرؤساء والساسة والوزراء والمشاهير من مختلف دول العالم خصوصاً فترة وجودها فى «واشنطن» مع زوجها السفير المصرى بعد ثورة يوليو 1952، والذى كان وزيراً للشؤون الاجتماعية فى العصر الملكى وأبدى اهتماماً بجمعيات النهوض الأهلية التى تضم «الرواد» وتهتم بالفلاح المصرى وتسعى لرفع مستوى الفقراء.
ومن الغريب أن ذات الوزارة هى التى عرضت على هذه الرائدة المحترمة، ولكنها آثرت العمل فى صمت والتضحية فى هدوء وخاصمت المناصب الرسمية، وعزفت عن أساليب الدعاية الرخيصة والترويج اليومى للأخبار التى تدور حول بعض الشخصيات فتصنع منهم قوة دفع مؤقتة لا تلبث أن تزول باختفاء الظهور وشحوب الأضواء.
تحية لهذه الرائدة مع أمنيات مخلصات بطول العمر ودوام العطاء لتظل دائماً نموذجاً مشرقاً وشخصية استثنائية فى تاريخ المرأة المصرية والعمل الأهلى على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.
جريدة المصري اليوم
7 أغسطس 2013
https://www.almasryalyoum.com/news/details/199145