عندما تلقى الملك «عبد الله الأول» رصاصات الاغتيال فى مدخل المسجد الأقصى وكان بصحبته حفيده الذى كان لا يزال غلامًا «الحسين بن طلال» تغيَّر وجه المملكة الأردنية الهاشمية التى بدأت كإمارة لشرق الأردن إرضاءً «لعبد الله بن الشريف حسين» بعد الخديعة الكبرى التى شاركت فيها «بريطانيا» ـ صانعة معظم مشكلات «الشرق الأوسط» و«جنوب آسيا»ـ وبرحيل الملك «عبد الله الأول» نودى لابنه «طلال» ملكًا ولكن ميوله القومية جعلت «بريطانيا» وأعوانها يزعمون أنه مريض عقليًا ليلقى وجه ربه بعد سنوات طويلة فى منفاه «بتركيا»، وجرت محاولات لتنصيب شقيقه «الأمير نايف» أو جعله وصيًا على ابن شقيقه «الحسين» ـ ثعلب السياسة الإقليمية لأكثر من أربعين عامًا فى المشرق العربى ـ الذى تولى العرش شابًا صغيرًا فى ظل قيادة الجنرال «جلوب» للجيش العربى الأردنى، حيث أصبح شقيقه «الحسن بن طلال» هو ولى العهد، والذى يعرفه الكثيرون باعتباره «عميد المثقفين العرب» فهو مفكر سياسى وولى للعهد لأكثر من خمسٍة وثلاثين عامًا وأخ شقيق «للحسين بن طلال» من أم قوية الشخصية هى الملكة الراحلة «زين»، ولقد أتاحت لى الظروف أن أكون قريبًا من «أمير المثقفين» فى مناسباتٍ عديدة كان أولها عضويتى بالمنتدى العربى الذى أسسه وأشرف عليه ذلك الأمير المتميز، واختار لمنصب الأمين العام به بعض المثقفين المرموقين، أتذكر منهم المصريين الدكتور «سعد الدين إبراهيم» والأستاذ «سيد ياسين» وظل الأمير ومنتداه ملتقى لأهل الفكر والثقافة فى العالم العربى، وعندما جرت الإطاحة به من ولاية العهد إذ عاد إلى الأردن شقيقه «الحسين» فى المراحل الأخيرة من حياته قاطعًا رحلة علاجه لينقل ولاية العهد إلى ابنه «عبد الله» الضابط الكبير فى الجيش الأردنى من أم بريطانية ربحت الرهان أمام الزوجة الأمريكية ذات السطوة الكبيرة والحظوة الشديدة والانتشار العالمى وأيضًا على ابن الزوجة الفلسطينية الراحلة التى قضت فى حادث طائرة غامض، ولقد تحمّل «الحسن بن طلال» قرار أخيه الأخير فى رجولة وشجاعة وسمو وواصل رسالته الفكرية والثقافية والتنويرية دون توقف ولم يهتم بالوشايات المغرضة التى قام بها بعض الساسة ضده من قادة الجيش الأردنى أو جهاز استخباراته والقصص الكاذبة عن لهفته هو وقرينته للوصول إلى العرش فى ظروف مرض الموت لـ«الحسين بن طلال»، ولم يقبل «الحسن» أن يقبع فى الظل فاستبدل بـ«سلطة الحكم» دوره العلمى عوضًا عن صولجان الملك وأبهة العرش، وعندما كنت سفيرًا لبلادى فى «فيينا» زارها الأمير «الحسن» وليًا لعهد «الأردن» وقوبل بحفاوة بالغة فى الأوساط السياسية والفكرية والثقافية والتفت حوله الجالية العربية فى زهو واعتزاز، وكان لى نصيب كبير فى الالتقاء به والجلوس معه والاستماع إليه، وقد بهرنا جميعًا بسعة أفقه وشمولية ثقافته وعمق رؤيته، ثم التقيته آخر مرة بالقاهرة على مائدة العشاء فى منزل الدكتور «عبد العزيز حجازى» حين كان الأمير ضيفًا على «المنتدى الثقافى المصرى» الذى يترأسه رئيس الوزراء الأسبق، وقد رشحت الشائعات الأمير الأردنى لمناصب عدة بعد تركه ولاية العهد بداية بمنصب «الأمين العام لجامعة الدول العربية» وصولاً لمنصب «مدير عام اليونسكو» مرورًا برئاسة بعض الوكالات المتخصصة لـ«الأمم المتحدة» وفى مقدمتها «الوكالة الدولية للاجئين»، وتتردد أقوال كثيرة حول المبررات الخارجية لإبعاده عن عرش الأردن فهناك من قال إنها ميوله القومية، وتفسير آخر بل هو موقفه من القضية الفلسطينية، واجتهاد ثالث يرى أن السبب هو رأيه فى الغزو العراقى للكويت، وفى ظنى أن المسألة لا تعدو أن تكون هى دسائس القصور ومكائد المحيطين بالدائرة الضيقة للسلطة.. تحيةً لأمير الثقافة العربية واحترامًا لشخصيةٍ دولية مرموقة ورجل أسهم دائمًا فى تنوير العقل العربى ودعم مسيرة الفكر والعلم والسياسة.
جريدة المصري اليوم
31 يوليو 2013
https://www.almasryalyoum.com/news/details/198906