إذا كان «أبو خلدون ساطع الحُصرى» هو واحد من أبرز رواد الدعوة القومية لدى العرب فى عصرهم الحديث، فإننا نعتبر «د.خير الدين حسيب» هو الامتداد العصرى لكل دعاة القومية، بصورة تدعو إلى الاحترام وتثير التقدير، إنه عراقى الأصل عروبى المنبت، كرس حياته لخدمة الأهداف القومية العليا، فأنشأ «مركز دراسات الوحدة العربية» فى «بيروت» واستقطب فيه النخبة العربية المتميزة من كافة الاتجاهات والأفكار، مادامت الأرضية القومية هى الأساس فيما يؤمنون، ومادامت هويتهم تمضى على طريق التطلع إلى الوحدة العربية، والتى وإن كانت تبدو حلماً بعيداً الآن،
إلا أنها سوف تظل غاية لأمة، وحلماً لشعب، وقد ناصر «د.خير الدين حسيب» دائماً قضايا التحرر الوطنى فى كل مكان، ومازلت أتذكر ندوة عقدها فى القاهرة منذما يزيد عن ربع قرن، ودعانى للتحدث فيها ضمن كوكبةٍ من المثقفين العرب يتقدمهم الأستاذ «محمد حسنين هيكل» وكان الحوار حراً والنقاش موضوعياً والأفكار بناءة، وتطرقنا يومها لقضايا الأصالة والمعاصرة، وتأثير ذلك على المستقبل العربى، ولقد دفع «د.خير الدين حسيب» ثمناً باهظاً لمواقفه وآرائه وظل محروماً من دخول بلده فى عصر «صدام» وربما بعده أيضاً، كما ظل الرجل مطارداً على الدوام، ولكن ذلك زاده إصراراً على مواقفه القومية وآرائه التقدمية، وقدم للمكتبة العربية مئات الكتب وآلاف المطبوعات حول كافة القضايا التى تمس حقوق الإنسان العربى وتدافع عن تطلعاته، وقد عقد عدة مؤتمرات فى مقر مركزه بالعاصمة اللبنانية، جمع فيها كل رموز التيار القومى من كل الدول العربية بلا تفرقة، وحاول أن يجرى مصالحة فكرية بين التيارين الإسلامى والقومى، ولكن نظرة كثير من الإسلاميين للتيار القومى لا تخلو دائماً من التحفظ الذى قد يصل إلى حد القلق أحياناً، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموماً يفضلون التعامل مع التيار الإسلامى، وقد يثقون فيه أكثر من ثقتهم فى التيار القومى الذى لا يعتمدون عليه ولا يتحالفون معه!
ولقد التقيت «د.خير الدين حسيب» فى أوائل يونيو 2013 عندما جاء إلى القاهرة منظماً وراعياً للمؤتمر القومى الجامع، الذى احتشد فيه من رموز التيار القومى قيادات متميزة، سواء كانوا يساريين أو ناصريين أو بعثيين أو حتى مستقلين، ولكن تجمعهم أرضية واحدة هى أرضية قومية جامعة، وجمعنى بذلك المفكر القومى الكبير دعوة عشاء كريمة من الصديق المشترك الدبلوماسى المثقف الدكتور «قيس العزاوى» مندوب العراق، لدى جامعة الدول العربية، وسرنى ليلتها أن صحة ذلك المناضل العربى «د.خير الدين حسيب» أفضل مما تصورت بعد وعكة صحية ألمت به، ودار الحديث طويلاً فى تلك الأمسية بحضور رموز الصالون الثقافى العربى بدءاً من الدكتور يحيى الجمل مروراً بسفيرى «لبنان» و«موريتانيا» وهو رئيس وزرائها الأسبق فى حضور الأساتذة د.جابر عصفور ود.صلاح فضل ومحمد الخولى، وصولاً إلى الفنان المتميز ملك العود العربى «نصير شمَّة» وكانت هموم الأمة وشجونها هى محور حديثنا، وكان طبيعيا أن تستأثر الكنانة بالنصيب الأكبر من اهتمام الحاضرين.
.. إننى إذ أكتب اليوم عن «د.خير الدين حسيب» فإننى أقدم للأجيال العربية الجديدة نموذجاً رائعاً ورائداً فى الفكر القومى المعاصر والاستعداد للتضحية من أجل الغايات النبيلة والأهداف السامية.
جريدة المصري اليوم
26 يونيو 2013
https://www.almasryalyoum.com/news/details/49841