هو دبلوماسى مصرى، كان سفيراً لبلاده فى «الكويت» و«طهران» و«لندن»، وقد جاوز حالياً عامه التسعين ـ أطال الله عمره ـ وقد بدأ حياته خارج السلك الدبلوماسى، كما كانت السيدة شقيقته قرينة لشقيق السيد على صبرى، نائب رئيس الجمهورية، ذى الحول والطول فى العصر الناصرى، وقد خدمت أثناء عملى فى «لندن» خلال النصف الأول من سبعينيات القرن الماضى مع السفراء «محب السمرة» القنصل العام، ثم «كمال الدين رفعت» و«سعد الشاذلى» فـ«سميح أنور»، وأنا إذ أكتب عن الأخير اليوم، فلأننى قد كتبت عن السفيرين السابقين من قبل، أما السفير «سميح أنور» فلقد ارتبطت فترة عملى معه بقرب الانتهاء من إعداد أطروحتى للدكتوراه وحصولى على إجازة دون راتب، نلت بعدها تلك الدرجة من جامعة لندن فى 26 أغسطس عام 1977، والذى أتذكره دائماً لذلك السفير المتزن الهادئ هو ما جرى بخصوص «المركز الإسلامى» فى «لندن» يوم أن دخل هو علينا مهموماً يقول إن السفير السعودى «عبد الرحمن الحليسى» يتندر على فقر «مصر» رغم أنه قد تربى فى حى «شبرا» بالقاهرة، حيث كان والده تاجراً «للإبل»،
ومازلت أتذكر أن السفير «الحليسى» قد حضر عشاء ذات مساء فى السفارة المصرية، دعا إليه السفير الراحل «محمود سمير أحمد» الذى كان نائباً للسفير المصرى، حينذاك «كمال الدين رفعت»، وعندما رأى «الحليسى» الأطباق الملكية الباقية والممهورة بحرف «الفاء» (نسبة إلى فؤاد وفاروق وفريدة وفوزية وفتحية وفائقة... إلخ) سأل القائم بالأعمال سمير أحمد: إلامَ يرمز هذا الحرف؟ فقال له: إنه الحرف الملكى المصرى، فابتسم «الحليسى» ضاحكاً، وقال إن حرف «الفاء» من كلمة «فقر»! لذلك عاد السفير «سميح أنور» من اجتماع مجلس السفراء المسلمين مكتئباً، وقال إن السفير السعودى قال إن حكومة جلالة الملك الراحل «فيصل بن عبد العزيز» قد تبرعت بتكاليف بناء «المركز الإسلامى» الجديد فى العاصمة البريطانية كما تبرعت «إيران» و«باكستان» «بالنجف» و«السجاد»، وتبرعت «أفغانستان» «بالأكلمة»، ثم نظر السفير السعودى للسفير المصرى «سميح أنور» نظرة إشفاق قائلاً: أما «مصر»، فكان الله فى عونها! فلديها من المشكلات ما يكفيها!
وعندما حكى السفير «سميح أنور» ذلك أمامنا، قلت له إن القيمة الفعلية للأرض التى سيبنى عليها المركز فى حدائق الريجنت، بغرب لندن- تقدر بثمانية ملايين جنيه إسترلينى، وهذا هو تبرع «مصر» الذى يفوق الجميع فرد علىَّ السفير «سميح أنور» قائلاً: هذا مزاح فى وقت الجد، لا يوجد دليل على ما تقول، فطويت النفس على أمر قررته وذهبت فى اليوم التالى إلى «مركز الوثائق البريطانية» الذى أتردد عليه مرتين أو ثلاثاً كل أسبوع، منذ بدأت الإعداد لرسالة الدكتوراه عن (الأقباط فى السياسة المصرية 1919 ـ 1952) وذهبت إلى كبير المفهرسين، وقلت له إننى أريد تصوير المراسلات المتبادلة بين الخارجية البريطانية والخارجية المصرية فى الفترة من عام 1934 إلى عام 1936، وعكفت أنقب بين صفحات تلك المراسلات حتى عثرت على نص صريح باستقبال صاحب الجلالة ملك «بريطانيا» للسفير المصرى «حسن نشأت باشا» وبصحبته الوزير المفوض لملك الحجاز الشيخ «حافظ وهبة» وهو مصرى الأصل أيضاً، حيث تبادل الملك والسفير المصرى وثائق الإهداء المشترك لقطعة أرض كبرى على «ثكنات النيل» فى «مصر» تطل على النهر مباشرة فى مقابل قطعة أرض فى «حدائق الريجنت»، بحيث تبنى على الأولى «كاتدرائية جميع القديسين» وعلى الثانية «مركز إسلامى» يليق بالجاليات الإسلامية فى عاصمة «المملكة المتحدة»، ولعلنا لانزال نتذكر «كاتدرائية جميع القديسين» التى كانت قائمة حتى تم هدمها لبناء «كوبرى أكتوبر»،
وقد تم إنشاء بديل لها فى حى «الزمالك» خلف فندق «الماريوت»، وقد أخذت الوثيقة الممهورة بخاتم «مركز الوثائق البريطانية»، وذهبت فرحاً إلى السفير المصرى الذى لم يكن مصدقاً لما يقرأ، ثم ذهب إلى الاجتماع التالى لمجلس السفراء المسلمين مصطحباً معه أقدم الملحقين الإداريين، وكان هو الأستاذ فاروق حنفى، على ما أتذكر، ومعه عشرون نسخة من الوثيقة التاريخية، وما إن بدأ الاجتماع حتى طلب السفير «سميح أنور» من الملحق الإدارى المصرى إعطاء نسخة لكل سفير مسلم، فبدأوا يقرأونها، وكأن على رؤوسهم الطير، ولم يتمالك السيد «عبد الرحمن الحليسى» إلا ترديد عبارات الثناء على «مصر» الإسلامية التى بنت معظم المراكز الإسلامية والمؤسسات الدينية فى معظم دول العالم، ومنذ ذلك اليوم اعترف الجميع بإسهام «مصر» الضخم فى بناء «المركز الإسلامى» فى «لندن»، وتكريماً للكنانة جرى اختيار عالم جليل من أبنائها هو الشيخ الراحل «محمود حب الله» ابن مركز المحمودية «بحيرة» ليكون أول مدير للمركز الإسلامى فى موقعه الجديد.
إننى أروى هذه القصة الآن لكى أتذكر السفير «سميح أنور» بإسهاماته الهادئة ودبلوماسيته الراقية ولسانه العف وقلبه الكبير، والذى كانت تقف وراءه قرينته الفاضلة التى كانت رئيسة لـ«رابطة زوجات الدبلوماسيين» لعدة سنوات.. وأنا لا أكتب سيرة ذاتية أو تاريخاً شخصياً، ولكننى أقدم صورة أمينة لأحداث جرت وأمور وقعت!.
جريدة المصري اليوم
29 مايو 2013
https://www.almasryalyoum.com/news/details/197486