ذات يوم وأنا خارج البلاد كنت أتابع أحد البرامج التليفزيونية فى قناة شهيرة وكان الحوار مع الراحل الكبير الدكتور «فريد عبدالخالق» وكان المحاور يضغط عليه من كل اتجاه حتى يسىء الرجل بالرأى أو اللفظ للرئيس الراحل «عبدالناصر» على اعتبار أنه قد عانى كثيراً من السجون والمعتقلات والمطاردة فى ذلك العهد، ولكن الرجل بشموخه وإبائه لم يقع فى ذلك الفخ بل ذكر بعض النقاط الإيجابية من إنجازات «عبدالناصر» واندهشت أن واحداً من أبرز قادة جماعة «الإخوان المسلمين» يتحدث بهذه الموضوعية ولا يقبل التجريح فى الموتى حتى ولو أساؤوا إليه ذات يوم فتلك أخلاق الإسلام الحقيقى وروحه السمحاء، وتابعت الرجل منذ ذلك اليوم حتى جرت مصادفة سعيدة أن التقيته فى أحد معارض الكتب فوجدت الوداعة والنقاء والوطنية المصرية والإسلام الحنيف تتجسد جميعاً فى شخصه.
ودار حديثنا حول أطروحته للدكتوراه التى حصل عليها الرجل وهو يقترب من عامه الخامس والتسعين إعمالاً لوصية نبى الإسلام بأنه إذا قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة فإن استطاع لا يقوم حتى يغرسها، وقد جمعتنى بالراحل الكريم مناسبات مختلفة يروى فيها بعض ذكرياته ويتحدث إلى من حوله دون تفرقة أو تمييز وتلك من شيم الكبار الذين لا يصنفون الناس ولا يصبغون البشر بألوان فكرية أو انتماءات سياسية لأن الجانب الإنسانى يسبق ذلك كله، لذلك قلت فى كلمتى فى سرادق العزاء عندما طلب منى القائمون عليه المشاركة فى تأبينه
ـ قلت بوضوح فى بداية حديثى إنه قد تختلف أفكارنا أو تتباين توجهاتنا لكننا دائماً نقف على أرضٍ وطنية تجمعنا أمام الشدائد وفى مواجهة الخطوب والمحن، وأثنيت بقوة على موضوعية الراحل وخلقه الرفيع الذى يجعله متحدثاً بالخير عن خصومه دون مرارة دفينة أو كراهية مزمنة، ولقد رأيت فى سرادق العزاء كل ألوان الطيف السياسى المصرى والعربى والإسلامى بما يؤكد قيمة الرجل ومكانته لدى الجميع، وإذا كنا نحتسبه عند الله فإننا نودع جيلاً مصرياً بكامله لأن عجلة الحياة تدور والانتقاء الإلهى لا يتوقف،
إن «فريد عبدالخالق» هو جزءٌ من وطنه ناضل من أجل دعوته وعانى فى سبيل رسالته. قد نختلف معه فيما رأى وفيما اعتقد لكننا نحترم له الإصرار على موقفه والتضحية فى سبيل عقيدته، وأنا شخصياً أؤمن بأن «الخلاف لا يفسد للود قضية» وأننا قد نختلف سياسياً ولكننا نلتقى على أرض وطنٍ واحد وفى ظل علمٍ واحد، لذلك فإننى أطالب بالتوقف عن التشنج السياسى، فالحكمة لا يحتكرها أحد، والوطنية حق للجميع ومن هذا المنطلق فلقد قمت فى ظل العهد السابق بالمشاركة فى العزاء عن الراحلين من أقطاب «الإخوان» لأنهم شركاء وطنٍ ورفاق حياة ومازلت أتذكر أنه فى عزاء المرشد العام الراحل المستشار «مأمون الهضيبى» أن وجهت لى قيادات الإخوان عبر مكبرات الصوت بالسرادق الكبير الشكر والتحية لأننى أقوم بعمل إنسانى أخلاقى رغم أن كلفته السياسية لم تكن بسيطة فى ذلك الوقت.
رحم الله «د.فريد عبدالخالق» الذى عاش قرناً كاملاً قدم فيه النموذج الأصدق للمسلم المصرى أمام كل الظروف وفى مواجهة كل الصعاب.
جريدة المصري اليوم
17 أبريل 2013
https://www.almasryalyoum.com/news/details/196224