عندما التحقت بمؤسسة الرئاسة فى مطلع ثمانينيات القرن الماضى جاءنى زميلى العقيد ـ حينذاك ـ «شريف عمر» قائلاً: «بحكم أنك مسؤول عن المعلومات، وأنك تعرف رجال الصحافة، فإن لى مطلباً منك هو أن أعرف من هى الكاتبة الصحفية «نادية عابد» إذ إنى شديد الإعجاب بما تكتب، ومتابع جيد للصفحة الأخيرة من «صباح الخير»، فقلت له إننى سوف أقدمك لها فى أول لقاءٍ بين الرئيس وكبار الصحفيين.
وبالفعل لمحت الأستاذ «مفيد فوزى» بعد ذلك فى إحدى المناسبات فأشرت لزميلى، وقلت له هذا هو الذى يكتب باسم «نادية عابد»، فأصابت زميلى دهشة كبيرة، فقد بنى فى خياله صورة مختلفة لتلك الكاتبة التى يفضلها، وهو لا يعلم أن الاسم مستعار! والواقع أن الأستاذ «مفيد فوزى» يملك درجة من التعددية تميزه عن غيره من الكتاب، فقد وقف الرجل على جسر يطل على ضفتيه الفن فى جانب، والسياسة فى جانب آخر، عرف «كوكب الشرق» أم كلثوم، ولكنه أحب صوت «فيروز»، وكان صديقاً لعشرات النجوم، ولكنه كان الأقرب للعندليب الأسمر «عبدالحليم حافظ»، كما عاصر الحكام والقادة والساسة حتى أصبح بشهادة الجميع أفضل محاور للشخصيات المهمة فى المناسبات المختلفة، ولقد أدهشنى كثيراً أنا والآلاف معى قرار «التليفزيون المصرى» مؤخرًا إيقاف برنامجه الشهير «حديث المدينة»، وأظنها عقوبة مستترة على مواقف «مفيد فوزى». يملك درجة من التعددية تميزه عن غيره من الكتاب، فقد وقف الرجل على جسر يطل على ضفتيه الفن فى جانب، والسياسة فى جانب آخر السياسة، وكأن على الرجل أن يدفع فاتورة جرأته فى كل العصور!
ولقد ربطتنى بالأستاذ «مفيد فوزى» صلة وثيقة منذ سنوات بعيدة فتابعت مسيرة حياته الثرية بالتجارب الحافلة بالخبرة الغنية بالموهبة منذ خرج من شارع «مقبل» بمدينة «بنى سويف» حتى الآن، عرفته وهو يصعد السلم بخطوات واثقة حتى أصبح رئيساً للتحرير، وعرفته أيضاً فى لحظات الانكسار والحزن، وهو يودع شريكة حياته إلى حيث لا يعود الناس، وعرفت أبوته الحانية لابنته الوحيدة الكاتبة الموهوبة «حنان» وتعلقه الشديد بحفيده «شريف»، لكن أشد ما يؤلمنى حقاً هو حين أراه وقلبه يعتصر حزناً لتهميش «الأقباط» أو التمييز ضدهم أو اضطهادهم أحيانا، خصوصا أن الرجل حاول دائماً ألا يكون طائفيا، ولكن شعوره بهموم من حوله يدفعه نحو إحساس حزين لا يدركه إلا من يعانيه، ومع ذلك لا نجد لهذا الشعور أثراً يذكر فيما يكتب أو يقول، فهو مهموم بمشكلات الإنسان المصرى دون النظر إلى طائفةٍ أو جنس أو مستوى اجتماعى، ولست أنسى أن ذلك الصديق قد سعى إلى مكتبى فى «وزارة الخارجية» بعد أيام قليلة من إقصائى من مؤسسة الرئاسة، وجاءنى الرجل بشخصيته المستقلة ورأيه الشجاع متجاهلاً المحاذير التى تحيط بشخصٍ «غضب عليه السلطان» مهما كانت الأسباب والملابسات، وأتذكر يومها أن قدمه قد اصطدمت بحافة سجادة إحدى طرقات المبنى العتيق فى ميدان التحرير وكاد «مفيد فوزى» أن يسقط على وجهه، وظلت قدمه تؤلمه لعدة أيام بعد ذلك، ولكنه الوفاء للصديق، والثبات على الموقف مهما كانت الفاتورة!
إن «مفيد فوزى» ظاهرة فريدة فى حياتنا الثقافية والإعلامية والفنية إذ يتمتع الرجل بدائرة واسعة من الاتصالات بشخصيات مرموقة فى كل المجالات من أنحاء العالم العربى كله، وما أكثر ما جلسنا معاً فى حالة «عصف ذهنى» يقوم على الموضوعية والصراحة والوضوح إذ يحمل «مفيد فوزى» على كاهله صندوقاً ضخماً من ذكريات حياته، وأسرار أهل الفن وأصحاب الفكر والقلم، فهو قريب من الأستاذ «هيكل»، محبٌ للراحل «موسى صبرى»، وغير بعيدٍ عن الراحل «أنيس منصور» كما عرف عن قرب «إحسان عبدالقدوس» و«حسن فؤاد» و«فتحى غانم» و«محمود السعدنى» وبهره بشدة «أحمد بهاء الدين»، فتتلمذ دائما فى مدرسة الكبار، لذلك ظل كبيرا، ولقد حضرت معه ندوة قبل ثورة يناير 2011 بأسابيع قليلة فى «قصر السينما» بدعوة من مديره آنذاك الفنان «تامر عبدالمنعم»، وأدهشتنى شجاعة «مفيد فوزى» فى انتقاد الأوضاع القائمة، والهجوم الشديد على الانتخابات البرلمانية 2010 ودعوته إلى الإصلاح السريع، لأن مظاهر الفساد باتت واضحة، وما أكثر الموضوعات الجريئة والأفكار الرائدة والملاحظات الذكية، التى تضمنتها برامجه التليفزيونية وكتاباته الصحفية، إنه ابن موهوب لهذا الوطن، ورجلٌ متميز من مصر، شق طريقه رغم كل الصعوبات التى أحاطت به، والتحديات التى واجهته، والنتوءات التى اعترضت طريقه فى كل العهود! لذلك يظل «مفيد فوزى» قيمة باقية تتألق فى كل العهود، وذهنًا يتوهج فى كل الأوقات.
جريدة المصري اليوم
6 مارس 2013
https://www.almasryalyoum.com/news/details/194846