يوم انتحار «سليمان خاطر»
أقدم الجندى المصرى «سليمان خاطر» على تصرف عنيف وسريع بدوافع وطنية بحتة، من وجهة نظره على الأقل، فقام باغتيال سبعة أو ثمانية ممن تقدموا نحو نقطة الحراسة التى كان يتمركز فيها، وقد حصدتهم رصاصاته فى الحال، وأصبحنا أمام موقف يُنذر بأزمة فى العلاقات المصرية-الإسرائيلية، خصوصًا أن بين الدولتين اتفاقية سلام جرى توقيعها فى 26 مارس 1979، وقد قُدِّم «سليمان خاطر» للمحاكمة، وقضت المحكمة بسجنه لعدة سنوات، وضعًا فى الاعتبار أنه قتل بدوافعه الوطنية، وليس مُجرمًا يستحق الإعدام، ولم يتقبل الإسرائيليون كثيرًا الحكم، وانتهى الأمر بإيداع «سليمان خاطر» فى السجن الحربى، وكان الرئيس الأسبق «مبارك» يقول إنه سوف ينتهز فرصة تقديم أحد جواسيس إسرائيل فى مصر، ليقوم بعملية مقايضة بإطلاق سراح «سليمان خاطر»، الذى كان فى حالة دفاع عن النفس، ولم يكن قاتلاً بالطبيعة، وظل الأمر كذلك إلى أن تلقيت اتصالاً هاتفيًّا ذات صباح، يُبلغنى فيه مدير المخابرات الحربية بانتحار «سليمان خاطر» فى السجن، وإعلان وفاته، وطلب منِّى الإسراع بإبلاغ الرئيس بهذه المعلومات، وبالفعل اتَّصلت بالرئيس الأسبق «مبارك»، وأخبرته بالخبر -بحكم وظيفتى- وقد تأثَّر كثيرًا، وأبدى دهشته وألمه، وقال: «إننى كنت أنتوى مقايضته فى أقرب وقت بأى مجرم يعمل لصالح إسرائيل».
ولقد ترددت أقاويل كثيرة –وقتها- تدور حول سؤال مُحدد: هل مات سليمان خاطر مُنتحرًا أم أن يد الموساد وصلت إليه؟! وأنا أظنه قد مات مُنتحرًا، لأنه لم يكن فى تكوينه مُجرمًا أو قاتلاً ولكن الظروف حكمت عليه بما جرى، ومازالت أصداء ذلك الحادث تتردد فى ملف العلاقات المصرية-الإسرائيلية، خصوصًاأن جنديًّا آخر على الجانب الأردنى قد فعل شيئًا شبيهًا بسبب التصرفات الاستفزازية لبعض السياح الإسرائيليين، الذين يتصورون أن الدنيا مفتوحة أمامهم، وأن بلادهم تسيطر على الأرض والبحر والجو، لأنهم يعيشون فى أسطورة الدولة العبرية التى لا تُقهر، ثم الدولة اليهودية التى لا يعود إليها إلااليهود، وسوف تظل مسألة انتحار «سليمان خاطر» هاجسًا يُؤرق المؤرخين لسنوات مقبلة، خصوصًا أننى أجزم أنه لو كانت هناك عملية للموساد فإن الجيش المصرى ليس طرفًا فيها، فهو جيش الآباء والأجداد، جيش الشرف والعناد الذى لا يتآمر ولا يدخل فى منظومة فساد، ولقد ظل الرئيس «مبارك»مُتأثرًا بهذا الحادث لفترة طويلة، مُردِّدًا أمام زوَّاره وضيوفه أنه كان ينتوى إطلاق سراح ذلك الجندى، الذى يُمثل الفلاح المصرى البسيط، بقناعاته الوطنية المباشرة، والجدير بالذكر أن اتفاقية السلام المصرية-الإسرائيلية ظلت محل احترام من الجانب المصرى وربَّما الإسرائيلى أيضًا، ذلك لأن الطرفين حريصان على استمرار قوة الدفع فى عملية السَّلام، والخروج من الظروف الصعبة التى تعيشها القضية الفلسطينية حاليًا، وإن كانت إسرائيل تتحمل المسئولية الكبيرة من تعطيل الوصول إلى حلٍّ سلمىٍّ دائم ومقبول لدى الطرفين، وسوف تظل العلاقات العربية-الإسرائيلية عمومًا -ومع مصر خصوصًا- فى صعود وهبوط، لأن أخطاء إسرائيل تكاد تكون يوميةً سواء فى المسجد الأقصى من اعتداء على حُرمته، والتطاول على المصلين فيه، إلى هدم المنازل على أصحابها، وقتل النساء، والأطفال، وترويع الشيوخ فى أنحاء الأرض المحتلة، وإسرائيل تكسب كل يوم أرضًا جديدة من خلال أخطاء العرب، وخطاياهم، خصوصًا بعد ثورات الربيع العربى، ولقد شهدنا مؤخرًا زيارة رسمية من رئيس وزراء إسرائيل «بنيامين نتنياهو» إلى عُمَان، حيث استقبله السلطان «قابوس» بشكل طبيعى وحافل!
إن الصراع العربى-الإسرائيلى يدخل مرحلةً جديدةً بعد أن نقلت الولايات المتحدة الأمريكية سفارتها إلى «القدس»، وأعلن الرئيس الأمريكى «ترامب» عن نواياه فى تعزيز سياساته الدَّاعمة لإسرائيل، فضلاً عن تشدده العام أمام الدول الصغيرة فى كل أنحاء الدنيا.
أقول ذلك بسبب الضباب الكثيف الذى يُغلِّف أجواء العالم، ويحجب الرُّؤية، ويمنع الحقيقة من الوصول إلى أصحابها، وقد اكتشفت مؤخرًا أن الأجيال الجديدة لديها صبرٌ على الوقت وجَلَدٌ على التواصل يسمح لهم -بنين وبنات- بتقديم الحلول المختلفة للأزمات القائمة.. لقد ذهب «سليمان خاطر» إلى مثواه الأخير، وبقى السَّلام الذى يفتقر إلى الدفء والصدق، وستظل مصر صامدةً فى الحرب، ورائدةً فى السلام، قويةً على مرِّ الأيام، لأنها عصيَّةٌ على السقوط أو الانهيار.
مجلة 7 أيام
https://www.7-ayam.com/%d9%8a%d9%88%d9%85-%d8%a7%d9%86%d8%aa%d8%ad%d8%a7%d8%b1-%d8%b3%d9%84%d9%8a%d9%85%d8%a7%d9%86-%d8%ae%d8%a7%d8%b7%d8%b1/