اقترب الرجل من مقعد رئاسة مصر مرتين، الأولى قبيل رحيل الرئيس «السادات»، والثانية بعد ثورة 25 يناير، عندما كان مرشحاً توافقياً لقوى سياسية مختلفة، أما الأولى فإننى أزعم أننى أعرف تفاصيلها من مصدرها المباشر فقد حكى أمامى الرئيس السابق «مبارك» أنه تسرب إليه عام 1981 مشروع قرار جمهورى بصلاحيات إضافية لوزير شؤون رئاسة الجمهورية، حينذاك منصور حسن، الذى كان قبلها وزيراً للثقافة والإعلام، ويعلق الرئيس السابق على تلك الصلاحيات بأنها كانت أقرب إلى صلاحيات نائب رئيس جمهورية منها إلى وزير شؤون الرئاسة، ويضيف لى الراحل منصور حسن فى هذه النقطة أنه استشعر ما يدور فى دهاليز الرئاسة، وذهب إلى نائب الرئيس حينذاك محمد حسنى مبارك، وقال له أرجوك أن تعدل فى القرار ما تشاء فليس لى مصلحة فيما حدث ولم أعلم به إلا مؤخراً، وهنا يقول الرئيس السابق إنه ذهب للرئيس الراحل «السادات» حاملاً استقالته، لكن «السادات» رفضها وأقنعه أن ما جرى لم يكن مقصوداً ولا يستهدف صلاحيات «نائب الرئيس»، ثم عدل «السادات» عن مشروع القرار، لكن كانت هناك حالة تربص بالنائب «مبارك» من جانب بعض قوى مؤسسة الرئاسة للإطاحة به وإحلال «منصور حسن» المقبول منهم بديلاً له!
ولكن القرار الإلهى سبق كل ذلك واغتيل «السادات»، وجاء «مبارك» إلى سدة الحكم وتوارى منصور حسن ثلاثين عاماً كاملة! وكان الرئيس السابق يتذكر تلك القصة ويحكيها كثيراً، بل إننى أزعم أن مدير مكتب منصور حسن ورفيق دراسته، الذى رحل عن عالمنا قبله بشهور قليلة، السفير حسن عيسى قد دفع هو الآخر ثمنًا لموقعه السابق! ورأيت الراحل منصور حسن، وهو يبكيه أمام مسجد مصطفى محمود منذ عدة شهور، وكأنما كان يتطلع إلى لقائه بعد فترة وجيزة! لقد تجاوز الرئيس السابق بعد عدة سنوات ذلك الجرح وقبل مشورة الدكتور أسامة الباز بإيفاد منصور حسن مبعوثاً شخصياً للرئيس إلى الملك «حسين»، ملك الأردن، فى شأن من شؤون الصراع العربى الإسرائيلى، خصوصاً أن الملك ومنصور حسن كانا زميلى دراسة فى كلية «فيكتوريا» بمصر، فالراحل ينتمى إلى بيت موسر من محافظة الشرقية، نال من التعليم فى الداخل والخارج قسطاً وفيراً، كما أنه كان مقبولاً عربياً، وقد كانت زوجته الأولى الراحلة سعودية الأصل، وقد أنجب منها ناشطاً سياسياً معروفاً هو الأستاذ محمد منصور حسن، الذى كاد يقترب هو الآخر من رئاسة حزب «الجبهة الديمقراطية» بدعم من مؤسسها الدكتور أسامة الغزالى حرب، وجدير بالذكر أن الدكتور أسامة الباز كان يقترح على الرئيس إيفاد بعض الشخصيات لبعض العواصم العربية، مثلما جرى مع الراحل منصور حسن، والراحل محمود رياض، وزير الخارجية، أمين عام جامعة الدول العربية الأسبق، الذى قام بمهمة غير معلنة إلى سوريا، أثناء سنوات القطيعة، حيث التقى بالرئيس الراحل حافظ الأسد، خصوصاً أن «رياض» كان سفيراً فى دمشق قبيل الوحدة المصرية السورية، نعود إلى راحلنا الكبير منصور حسن الذى كان يتمتع بالخلق الدمث والأدب الشديد والتواضع والبساطة والتوازن الشخصى حتى تميز بالرصانة شكلاً وموضوعاً،
وقد جاءته الفرصة الثانية لكى يقترب من مقعد الرئاسة بعد الثورة المصرية، حيث جرى طرح اسمه مرشحاً من خارج حلبة السباق تتوافق عليه نسبة كبيرة من المصريين، وأذكر أننى كنت مدعواً على غذاء بمنزل الأستاذ نجيب ميقاتى، رئيس وزراء لبنان، فى مايو 2011، وقال لى الرجل: لماذا تقلبون فى بورصة الشخصيات المصرية ولديكم رجل من طراز منصور حسن؟ ولقد كتبت ذلك فى حينه واتصل بى الراحل المحترم شاكراً وعازفاً فى ذات الوقت، وقد لوّح له بعض قيادات فصيل سياسى مهم بإمكانية مساندته مرشحاً للمنصب الكبير، لكنه اكتشف أنهم غير جادين وأن المسألة هى استهلاك للوقت، وأن لديهم مرشحهم الذى سوف يتقدمون به!
عندئذ اقتنع الرجل بسلامة رأيه فى ضرورة الابتعاد عن المشهد مؤمناً أن قيمته فى ذاته، وأنه مستعد لتقديم النصيحة والمشورة عند اللزوم، واكتفى برئاسة «المجلس الاستشارى» الذى تشكَّل فى فترة الإدارة العسكرية للبلاد حتى اكتشف من خلال ذلك أن الأمة المصرية منقسمة على نفسها، وكان يبثنى أحياناً جزءاً من معاناته الشخصية وشعوره بالإحباط لما آلت إليه أحوال البلاد والعباد، ولقد تفرغ الرجل فى الشهور الأخيرة لمواجهة مشكلاتٍ صحية، وكنّا نشفق عليه، وإلى جانبه قرينته الفاضلة ابنة أستاذ الطب الشهير الدكتور محمد عبدالوهاب، ولقد التقيت نجله المتميز خلقاً وعقلاً محمد منصور حسن فى عزاءٍ منذ أيام وسألته عن صحة والده وتطوراتها، ولم نكن نعرف وقتها أن الرجل سوف يلبى نداء ربّه أسرع بكثير مما أردنا أو توقعنا.. لقد فقدت مصر واحدًا من رجالات الدولة الكبار فى وقت عز فيه وجودهم وتوارت أسماؤهم، لكن مصر سوف تبقى فوق الجميع.. وبعد الجميع!
جريدة المصري اليوم
26 ديسمبر 2012
https://www.almasryalyoum.com/news/details/192602