كان عنوان مقال الكاتب الكبير «مفيد فوزى» فى صحيفة «المصرى اليوم» السبت 24/11/2018 هو (يا دكتور مصطفى الفقى: حزن الوزير له أسباب!)، وهى واحدة من أهم مقالات الرأى فى السنوات الأخيرة، لأنها تعنى تحريضًا مباشرًا على التفكير فى الحالة المصرية من حيث وضع التعليم والمستوى السائد للغة العربية، مع دعوة مباشرة للنهوض من كبوة طال السقوط فيها، وعندما يأتى ذلك من كاتب كبير بحجم «مفيد فوزى» صاحب الحوارات الباقية و(حديث المدينة) الذى يمثل سجلًا ثقافيًا لتاريخنا السياسى والاجتماعى فإننا يجب أن نلتفت بشدة وأن نعطى سطور مقاله ما تستحقه من اهتمام بالغ وإحساس كامل بالمسؤولية المشتركة بيننا جميعًا إذا كنا نسعى بحق نحو دخول «عصر النهضة» المصرية وولوج طريق المستقبل بشرف واقتدار، وأسمح لنفسى أن أطرح فى إيجاز شديد النقاط التالية:
أولًا: لا يختلف اثنان على أن التعليم المصرى هو مفتاح المستقبل، وأن تردى التعليم فى بلادنا كان ولا يزال هو سبب التراجع فى دورنا الإقليمى ومكانتنا الدولية، لأننا بلد يعتمد على تصدير القوى الناعمة وسط أقرانه فى غرب آسيا وشمال أفريقيا، بل ويمتد تأثير ذلك إلى ما هو أبعد بكثير.. المعلم المصرى فى محنة، المدرسة فى أزمة، الطالب يدفع الثمن غاليًا هو وأسرته دون عائد حقيقى لذلك كان حزن الوزير «طارق شوقى» مبررًا، خصوصًا لما آلت إليه أحوال لغتنا العربية فى بلد «مجمع اللغة العربية»..
.. فالصورة فى مجملها تحتاج إلى تحليل موضوعى ورؤية شجاعة تكشف العوار وتضع يدها على النقص وتقترح الحلول فى إطار حوار مجتمعى شامل، إننى أقارن مع الأستاذ «مفيد فوزى» بين المدرس فى عصرنا والمدرس حاليًا لكى نكتشف الهوة النفسية والمادية والأخلاقية التى طرأت عليه ووصلت بنا إلى ما نحن فيه، خصوصًا وأننى أظن أن المدرس هو قائد قاطرة العملية التعليمية برمتها، لذلك فإن إصلاح أحواله من خلال التعليم والتدريب ورفع مستوى معيشته هى أمور يستحيل تجاوزها إذا كنا نسعى لإصلاح حقيقى وجاد.
ثانيًا: إننى أعلم أن «مفيد فوزى» حفى باللغة العربية، بل لقد صك عددًا من العبارات التى تنتسب إليه والتى أصبحت على لسان الناس، ولعل أهمها تعبيره الشهير (حزب أعداء النجاح)، وهو حزين على تراجع الفصحى متشبث بدور «مجمع اللغة العربية»، والذى لا أريد الخوض فى شؤونه لحساسية أعضائه واحترامى لتاريخه، ولكنه قد تحول إلى نادٍ مغلق لا يشعر به العامة ولا يهتم به الخاصة، فقد ضرب سياجًا حوله من فكر معين واستأثرت به جماعة من قمته إلى معظم الأعضاء فيه، ورغم أن الله قد قيض له أمير الشارقة ليهديه مبنًى رائعًا إلا أن المجمع الذى كان يضم أسماء مثل «أحمد لطفى السيد» و«طه حسين» و«العقاد» و«زكى المهندس» و«إبراهيم بيومى مدكور» أصبح الآن شيئًا مختلفًا تمامًا رغم وجود بعض الشخصيات ذات الوزن الأدبى والعلمى فيه، وأنا سعيد أن اسمى يقترن بمجموعة من المرفوضين، مثل الراحل «يحيى الجمل» ووزير الثقافة الأسبق «جابر عصفور»، بل لقد اقترن اسمى هذا العام بأكبر شعرائنا «فاروق جويدة»، لقد انغلق المجمع على نفسه وتصور بعض القائمين عليه أنهم كهنة المعبد وحراس الضيعة، بينما اللغة العربية تتهاوى والفصحى تتراجع والمجمع فى واد آخر، وذلك كله مع احترامى لعدد من المستنيرين فيه من أمثال الدكتور «سلطان أبو على» والدكتور «صلاح فضل» والدكتور «محمد الشرنوبى» وغيرهم من العلماء والأدباء والشعراء، فالذى يعنينى فقط هو أن يشعر الناس بالمجمع فى ظرف شديد الصعوبة بالغ الحساسية.
ثالثًا: لقد نكأ «مفيد فوزى» صاحب العقل المتوهج والفكر السبّاق جراحًا كنا نريد لها أن تلتئم ولكن تقنيات العصر وأدواته الحديثة تقف منافسًا بالمرصاد لكل ما كان رصينًا وتتحدى بجاذبية شديدة الأجيال الجديدة لتضعنا جميعًا فى مأزق نسعى فيه إلى الحداثة والرصانة معًا، وأحسب أن ما يسعى إليه «طارق شوقى» هو محاولة جادة لتحقيق ذلك، ولقد أراحنى كثيرًا حرصه على حال اللغة العربية فى هذا الوقت الذى نسعى فيه إلى تطوير التعليم وتحديث منظومته وأساليبه وأدواته. إننا نضع أنفسنا جنودًا وراء رئيس الدولة فى كافة المواقع من أجل النهوض بوطن يستحق منا أكثر مما نعطيه، وينتظر منا ما هو أهم من مقال.. إنه ينتظر العطاء بغير حدود، والتضحية دون مقابل لأنه سيد الأوطان وأعرق بلاد الدنيا!.