هو ذلك الكاتب الصحفى المتميز الذى تسبق مهنيته الرفيعة انتماءه الفكرى المتصل، فللرجل قناعاتٌ ترتبط تاريخياً بتيار «الإسلام السياسى» كما يعتبر فى الوقت ذاته واحداً من ألمع الكتاب وأكثرهم غزارة وتواصلاً عبر العقود الأخيرة، وقد كان ابناً لمؤسسة «الأهرام» حيث أثار إعجاب الكاتب الكبير «محمد حسنين هيكل» الذى يقدر موهبته ويحترم شخصه، ولقد عرفت الأستاذ «فهمى هويدى» منذ سنوات وتابعت ما يكتب على امتداد العقود الثلاثة الأخيرة وشدنى إليه ثقافته الواسعة وأفكاره المتجددة فهو حين يكتب عن العلاقات المصرية الإيرانية مثلاً تراه متعاطفاً معها ولكن من منطلق موضوعى وليس مجرد حماس شخصى كما أنه يقف بشجاعة ضد محاولات الوقيعة بين أتباع المذهب الشيعى و«أهل السنة» ولا يعدم وسيلة فى انتقاد أحد الجانبين حين يتجاوز على أشقائه فى الجانب الآخر وأنا أوافقه فى ذلك خصوصاً أننى القائل منذ سنوات بعيدة (إن مصر شعب سنى المذهب شيعى الهوى)، والأمر الملحوظ فى كتابات الأستاذ «فهمى هويدى» أنه لا يمضى مع التيار العام مغمض العينين ولكنه يستلهم من فكره الخاص رؤيته المتطورة ولا تبرأ كتاباته من قدرٍ واضح من الحياد الأكاديمى والاعتدال الفكرى.
ولقد أعجبنى مؤخراً مقال له عن عتاب بعض قيادات الشيعة لموقف «الأزهر الشريف» من محاولات إقحام التشيع على صفوف أهل السنة ولقد كان مقاله متوازناً حتى إنه وجّه انتقاداتٍ للأسلوب الإيرانى فى نشر التشيع وانتصر «للأزهر الشريف» فى بعض ما ذهب إليه، كما أعجبنى مقال له نصح فيه الرئيس «مرسى» بأن يؤدى «صلاة الجمعة» دون إعلانٍ أو إعلام فالعلاقة بالله سبحانه وتعالى لا تحتاج إلى ضجيج السلطة ولا إلى صولجان الحكم وضرب مثلاً بما يفعله «رجب طيب أردوغان» رئيس وزراء «تركيا» فى هذا السياق.
والأستاذ «فهمى هويدى» ينتمى إلى بيت علم ودين فله شقيق كان ضابطاً كبيراً مسيساً فى «القوات المسلحة» وقد سعدت بالعمل معه فى سفارتنا «بلندن» مع مطلع سبعينيات القرن الماضى، وشقيق آخر يعد واحداً من أبرز المعماريين فى «مصر»، ويتميز الأستاذ «فهمى هويدى» بالكبرياء الشخصى والمحافظة على كرامته بشكل يثير الإعجاب ولقد شهدته يوماً يصافح واحداً من الرموز الكبيرة للنظام السابق دون أن يقف له تقريباً إيماناً منه بضرورة أن تتسق أفكاره مع أفعاله .
وفى السنوات الأخيرة تواصلت علاقتى بالأستاذ «فهمى هويدى»- كما هى دائماً- فقد يهاتفنى للتأكد من معلومة تتصل بعملى بمؤسسة الرئاسة فى ثمانينيات القرن الماضى وقد أهاتفه أنا أيضاً ممتدحاً مقال له مثنياً على أفكاره المتميزة، ولقد كتب الرجل ذات يوم مقالاً أشار فيه إلى رأى للإمام «أحمد بن حنبل» حول طبيعة الحاكم الرشيد واقتبست الفكرة منه فى مقال لى ولكن القائمين على «الأهرام» وقتها اعترضوا على منطوق العبارة ومفهومها لمجرد أنها مقتبسة من مقال للأستاذ «فهمى هويدى» وليس لأنها رأى للإمام «أحمد بن حنبل»! وعندما توقفت مقالاته فى «الأهرام» بفعل فاعل لم يخسر «فهمى هويدى» لكنه ازداد تألقاً فى منابر صحفية أخرى وفى ظنى أن الخاسر كان هو «الأهرام» الذى فقد واحداً من ألمع كتابه على الدوام.
تحية للصديق الأستاذ «فهمى هويدى» الذى يعلم أننا نقف على هضاب فكرية مختلفة ومع ذلك فإن العلاقة بيننا يحوطها الود ويحفها الاحترام خصوصاً أنه رجلٌ عف اللسان عميق الرؤية ناصع التاريخ.
جريدة المصري اليوم
12 ديسمبر 2012
https://www.almasryalyoum.com/news/details/192178