مدافعٌ عنيد عن قضايا حرية الوطن والمواطن، ملتزمٌ بموقفه لا يحيد عنه، كان يمكن أن يعيش حياة هادئة بعيدةً عن صخب «سلم نقابة الصحفيين» فى وسط القاهرة و«ميكروفونات التظاهر» فى الميادين وعذابات «المطاردة الأمنية» فى كل مكان، ولكن ذلك المناضل المصرى الشريف اختار دائماً أن يعبِّر عن قناعاته مهما كان الثمن وأن يدافع عنها مهما كانت التضحيات، إنه الكاتب الصحفى «محمد عبدالقدوس» ابن الروائى الراحل «إحسان عبدالقدوس» وزوج ابنة الإمام «محمد الغزالى» وقد أختلف مع الأستاذ «محمد عبدالقدوس» فى الرأى والرؤية ولكننى أحمل له احتراماً دائماً فى كل الظروف، تواصلت علاقتى معه عبر العقود الثلاثة الأخيرة وظللت أحمل له إعجاباً دفيناً وهو يهجر حياة الدعة والسكينة إلى المؤتمرات والندوات والمظاهرات! وهو ينتمى إلى جماعة «الإخوان المسلمين» تاريخياً ولكنه لم يبحث عن موقع ولم يلهث وراء منصب بعد أن فتح الله للجماعة باباً للسلطة لم تكن تحلم به وأدعو الله أن تحسن استخدامه فى هذه الظروف المعقدة التى يمر بها الوطن المصري، ولقد جمعتنى بالأستاذ «محمد عبدالقدوس» وشقيقه المهندس «أحمد عبدالقدوس» صلات طويلة منذ أن تركت مؤسسة الرئاسة عام 1992 حيث عرض على الشقيقان أن أكون أول مشرفٍ على الصالون الثقافى الذى يحمل اسم والدهما الراحل تكريماً له وتقديراً لاسمه فى عالم الأدب والرواية، ولقد حققنا وقتها نجاحات كبيرة واستضاف الصالون الذى كان مقره «القاعة الكبيرة» فى مؤسسة «روزا اليوسف» الصحفية التى تدين لاسم «إحسان عبدالقدوس» ووالدته العصامية «فاطمة اليوسف» بهذا الصرح الصحفى الكبير ونجاحاته الباهرة فى العصرين الملكى والجمهورى، ولقد استضفنا فى ذلك الصالون- الذى لا يزال نشطاً حتى الآن حيث تعاقب عليه مشرفون متميزون- شخصيات مرموقة من أمثال «محمد حسنين هيكل» و«مصطفى خليل» و«محمود السعدنى» وغيرهم، وأتذكر أننى يوم أن استضفت الأستاذ «هيكل» صديق «إحسان» ورفيق عمره كنت أخشى أن ينهار المبنى بنا بسبب الزحام غير المسبوق فى تلك الأمسية الرائعة التى تحدث فيها ذلك الكاتب المصرى الفذ، وأسجل هنا أن المودة التى تربط بينى وبين «محمد عبدالقدوس» قد تنامت أيضاً لأن زوجتى كانت زميلته فى الفصل الدراسى بمدرسة «ليسيه باب اللوق» فى ستينيات القرن الماضى، وقد كان «محمد عبدالقدوس» دائماً هو ذلك الشخص الهادئ الرزين الذى يجمع بين الأصالة والمعاصرة إذا جاز التعبير، فهو مسلم ملتزم وهو أيضاً مثقف عصرى بالمعنى الصحيح لهذه الكلمة، وكثيراً ما أبحث وراء ما يكتب فى عدد من الصحف فى وقت واحد وفى موضوعات متنوعة ما بين سياسية وثقافية واجتماعية وإنسانية بل وعاطفية أحياناً، ولا غرو فهو ابن أبيه الذى كان كاتباً صحفياً ومناضلاً سياسياً حتى ارتبط اسمه بنشر قصة «الأسلحة الفاسدة» فى حرب «فلسطين» ومع ذلك فقد ناله من الحب جانب فى عصرى «عبدالناصر» و«السادات».
تحيةً للصديق المتعدد القدرات، المتوحد المبادئ، الذى يتحدث الفرنسية مثلما يقرأ كتاب الله بالعربية، ولقد اتخذ الرجل مؤخراً موقفاً يتسق مع مبادئه التى لم يفرط فيها أبداً مع تأكيد التزامه بالانتماء الذى يعتز به مع جماعة «الإخوان المسلمين».. تحية إليه وإلى كثيرٍ من الشرفاء فى هذا الوطن المعطاء.
جريدة المصري اليوم
5 ديسمبر 2012
https://www.almasryalyoum.com/news/details/191941