تعرفت فى الشهور الماضية على عدد كبير من شباب الثورة وزارنى عشراتٍ منهم وقد أحزنتنى كثيراً حالة الإحباط التى يشعر بها معظمهم، فهم يرون أنهم قد تحركوا من أجل هدف قومى نبيل، وتعرضوا لمخاطر دامية وسقط منهم مئات القتلى والجرحى، لكن الذين يتصدرون المشهد السياسى الآن ليسوا كلهم من الثوار الحقيقيين، بل إن بعضهم من الانتهازيين الذين أكلوا على موائد كثيرة وكان لديهم حسُّ مبكر ألهمهم فكرة القفز فى صفوف المقدمة عندما أدركوا أن النظام السابق راحل لا محالة، وهذا الشباب النقى الثائر الذى خرج منذ اليوم الأول دون حساباتٍ شخصية أو توازنات مصلحية هم الآن خارج الدائرة، وعندما حاول بعضهم التقدم للترشيح للبرلمان وجدوا أن إمكاناتهم المادية لا تفى على الإطلاق بمصروفات الدعاية الانتخابية، خصوصاً أنهم شباب عادى غير معروفين للعامة، كما أن المنافسة الانتخابية شديدة والإمكانات المادية للمرشحين الكبار هائلة، كذلك فإن الأموال تتدفق على البعض الآخر من كل اتجاه، وقد حكى لى صديقى وزميل دراستى الأستاذ «ممدوح عباس»، رئيس «نادى الزمالك»، أنه التقى مجموعة من الشباب الثائر النقى من ثوار الخامس والعشرين من يناير بحكم صداقتهم لأولاده، وأفزعه كثيراً ضعف إمكاناتهم المادية التى تحول دون ترشحهم فى الانتخابات البرلمانية، خصوصاً أن المشكلة ليست فى رسوم الترشيح، فقد تم إعفاؤهم منها، لكن مسار العملية الانتخابية يتطلب قدرات مادية هم بعيدون عنها، ولقد كان ذلك الحديث قبيل البدء فى انتخابات المرحلة الأولى، بل عندما كان باب الترشيح لا يزال مفتوحاً، عندها قفزت إلى ذهنى فكرة طرحتها فى أكثر من وسيلة إعلامية وكان لها صداها الكبير عند إذاعتها، وأعنى بها ضرورة السعى لتوسيع مساحة التعيين فى مجلس الشعب، بحيث يرتفع عدد النواب المعينين من عشرة إلى ثلاثين عضواً أو أكثر بحيث يستوعب مجلس الشعب الجديد أكثر من عشرين شاباً من القيادات النقية والحقيقية لثوار «التحرير»، يختارونهم بأنفسهم، وبذلك يتاح لهم صوتٌ تحت القبة يتمثل به ضمير الثورة التى جاءت بأعضاء المجلس الجديد، ولقد قيل لى وقتها إن الأمر يتطلب إجراء دستورياً وتعديلاً قانونياً، ولقد طالبت بالمضى فيهما معاً خصوصا أن تمثيل المرأة المصرية فى مجلس الشعب الجديد يدعو هو الآخر إلى الخجل، فالعدد متواضع للغاية وصوت المرأة المصرية سوف يكون غائباً عن المحافل البرلمانية الدولية، وفى ذلك عوارٌ واضح يشير إلى حالة التخلف السياسى والاجتماعى التى كنا نظن أننا قد خرجنا منها.
ولقد أراحنى كثيراً أن «المجلس الاستشارى» برئاسة الوزير السابق «منصور حسن»- وهو وطنى محترم بكل المعايير- قد رأى الأخذ بهذا الاقتراح ورفعه إلى المجلس العسكرى، لعله يجد طريقة إلى التنفيذ ترضية للثوار الحقيقيين وإحداثاً للتوازن تحت قبة البرلمان ونقلاً لصوت الثورة من «ميدان التحرير» إلى «مجلس الشعب»، بيت الرقابة والتشريع، الذى يجب أن يقود الحياة البرلمانية فى «مصر» خلال هذه المرحلة شديدة الحساسية بالغة التعقيد، وأنا اليوم ونحن على مشارف انعقاد مجلس الشعب الجديد ألفت النظر مرة أخرى إلى هذا الاقتراح، لعله يدفع ببعض العناصر الثورية الحقيقية- من شبابٍ وشابات- نحو قبة البرلمان المصرى العريق.
وقد يقول قائل إن عضوية البرلمان من خلال الأعداد المطروحة للتعيين مهما زادت فإنها لن تستوعب القيادات الحالية، فى ظل تعدد الائتلافات وانقسام الثوار والرد هنا هو أننا نترك لهم أن يختاروا من بين صفوفهم أكثر عناصرهم شرفاً وخبرة والتصاقاً بمبادئ الثورة الشعبية وولاءً لها، مع الوعى بطبيعة المرحلة والملابسات التى تحيط بها، ويمكن لمجلس الشورى إذا أجريت انتخاباته أن يستوعب بين المعينين فيه أعداداً أخرى من الشباب والمرأة المصرية، بل الأقباط أيضاً حتى نعيد التوازن المفتقد إلى البرلمان المصرى الجديد بمجلسيه.
تلك رسالة لا نبغى بها إلا العدل السياسى والتوازن النيابى وإدخال ثوار 25 يناير 2011 إلى برلمانٍ عريق، انعقدت أولى جلساته فى القرن التاسع عشر، فكان بحق أقدم مؤسسة تشريعية فى المنطقة وأطولها تاريخاً وأكثرها تأثيراً.
جريدة المصري اليوم
19 يناير 2012
https://www.almasryalyoum.com/news/details/217555