مثلما أن «مصر» منقسمة على نفسها فإن العالم منقسم أيضًا حولها، ورغم الحماس الدولى خصوصًا فى الغرب - لإشراقات الربيع العربى، إلا أن الصورة الكاملة ليست هى تلك فقط، ومازلنا نتذكر التصريحات الرائعة التى أطلقها زعماء العالم حول الشباب المصرى غداة انتفاضته الشعبية، ولعلنا نتساءل الآن أين نحن من تلك الصورة المشرقة التى صاحبت أحداث «يناير» و«فبراير» 2011؟ ولاشك أن هناك شعورًا يتلبس العقلية الغربية مؤداه أن شيوع الديمقراطية ورسوخ أقدامها فى دول العالمين العربى والإسلامى سوف يؤديان بالضرورة إلى إضعاف قبضة الإرهاب الدولى، خصوصًا إذا وصل الإسلاميون إلى الحكم فى وقت مازالت تتباكى فيه بعض الكتابات الغربية الحديثة على دولة «الخلافة العثمانية»، على اعتبار أن عباءة «أمير المؤمنين» كانت غطاءً شاملاً يحمى عورات دول الإمبراطورية العثمانية ويبعد تأثيرها السلبى عن العالم الغربى، خصوصًا فى ظل ميلاد الدولة العبرية وما تبعه من تداعياتٍ للصراع العربى الإسرائيلى ونتائجه الضخمة على العرب خصوصًا والمسلمين عمومًا، لذلك فإننا إذا أردنا أن نستكشف عن يقين رؤية «إسرائيل» لما جرى ويجرى فى «مصر» فإننا يجب أن نضع فى الحسبان الملاحظات الآتية:
1 - إن نظرية «الأمن القومى» لإسرائيل تقوم على تجسيد مفهوم الخوف من الآخر وعدم الثقة فيه، والذى يستقرأ الأدب العبرانى سوف يكتشف أن تاريخ اليهود يقوم على مفهوم واحد هو «الأنا» فى مواجهة «الآخر»، فالقلق دفين والرهان على السيناريو الأسوأ هو دائمًا الحصان الرابح فى العقلية الصهيونية التى لا تقبل أن تستسلم للصدفة ولا تترك الأمور تجرى على غير هواها.
2 - إن «إسرائيل» تنظر لمصر باعتبارها «الجائزة الكبرى» فى تاريخ الصراع كله، فهى تعلم أن الخوف يأتى منها وأن الحرب لا تقع إلا معها، كما أن السلام لا يتحقق إلا بها، لذلك تجسدت صورة «مصر» فى العقل الإسرائيلى باعتبارها أولوية الاهتمام ومصدر القلق أو الأمان.
3 - لقد كان رد فعل إسرائيل تجاه ثورة 25 يناير متقلبًا ومضطربًا منذ البداية، فبعد التباكى على ما وصفوه «بالكنز الاستراتيجى» بدأوا برصد ما يجرى فى «مصر» بقلق زائد والتواصل مع الإيقاع السريع للأحداث على الساحة المصرية، وانتشرت مصادر معلوماتهم عبر الدلتا والوادى وفى المدن الكبيرة، لأننى أزعم أن أوضاعنا فى مجملها مكشوفة للأجنبى الذى يريد أن يرى وأن يتابع بل يشارك أحيانًا.
4 - تبدلت النغمة الإسرائيلية تجاه أحداث الانتفاضة الشعبية المصرية، ولعل الامتحان الأصعب كان هو حادث اقتحام سفارتهم بالقاهرة، حيث فوجئنا برد فعلٍ إسرائيلى ناعم مع محاولة لاحتواء الموقف وتحجيمه، كما تبعه اعتذار رسمى عن جريمة قتل الجنود المصريين، مما أشعل الحماس الشعبى وزرع الشعور بالثقة، وتبع ذلك تصريحات إسرائيلية متضاربة تحمل الود الظاهرى ولكنها تبطن فى داخلها مخزونًا ضخمًا من التوتر والقلق وافتراض «السيناريو» الأسوأ دائمًا، على نحو ما تعودوا عبر تاريخهم الطويل، ولقد كشفت بعض تصريحاتهم الأخيرة عن أن مصر هى الهدف الذى يرصدونه والغاية التى لا يتحقق سلام إلا باستقرارها ولا تقوم حرب إلا وهى طرف فيها.
5 - إن أوضاع المنطقة تغرى «إسرائيل» للقيام بمغامرة ما أمام «إيران» أو «حزب الله» أو الحدود مع «مصر» للخروج من المأزق الخانق الذى تشعر به والعزلة الدولية والإقليمية التى تعانى منها، وهى لا تتردد فى الدخول تجاه مغامرة محسوبة، خصوصًا فى ظل الأوضاع غير المحسومة على الجبهة السورية، وفى ظنى أن القيادة السياسية الإسرائيلية سوف تدخل مرحلة من العصبية الشديدة نتيجة الأحداث المتسارعة فى دول الربيع العربى والعدوى الشديدة التى تنتقل بها ولا تكاد تستثنى أحدًا فى المستقبل، إننا مع كتابة فصل جديد فى تاريخ المنطقة، له أفكاره المختلفة ورموزه المتعددة وغاياته البعيدة.
إذا كانت «واشنطن» ترصد ما يجرى فى «مصر» فإن «إسرائيل» تعيش فى قلب أحداثها، مستثمرة حالة الفوضى الأمنية فى وقت تتدفق فيه على «مصر» سلع ثلاث هى «السلاح» و«المخدرات» و«أوراق النقد الأجنبى»!
جريدة المصري اليوم
1 ديسمبر 2011
https://www.almasryalyoum.com/news/details/212004