يحتاج الموقف الأمريكى تجاه ثورة يناير 2011 إلى مزيد من الدراسة والتمحيص، لأنه تأرجح فى الأيام الأولى لها من دعمه للنظام السابق حتى وصل إلى تأييد مطالب الحركة الشعبية التى انطلقت من «ميدان التحرير»، ولعلنا نتذكر جيدًا أنه فى اليومين الأولين من اندلاع المظاهرات الحاشدة فى «مصر» وقفت الإدارة الأمريكية موقفًا يبدو محايدًا تحدثت فيه عن ثقتها فى أن نظام الرئيس السابق «مبارك» قادر على استيعاب الموقف والتعامل مع مطالب الجماهير حتى إن المبعوث الأمريكى الخاص الذى التقى بالرئيس السابق «فرانك وزنر»، سفير الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق فى «القاهرة» عاد ليطلق تصريحات من إحدى العواصم الأوروبية، وهو فى طريق عودته إلى بلاده يؤكد فيها ثقته فى سيطرة نظام الرئيس «مبارك» على الأوضاع فى البلاد.
وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية أعلنت أن تصريحات «وزنر» شخصية ولا تعبر عن موقف «واشنطن» الحقيقى فإن ردود فعل الولايات المتحدة الأمريكية ارتبطت صعودًا وهبوطًا بعد ذلك، تبعًا لما كان يسجله «ترمومتر» حرارة الثورة الشعبية فى «ميدان التحرير» وغيره من عواصم المحافظات المصرية بل أنحاء الجمهورية كلها، وتوالى المشهد اللافت بظهور الرئيس «باراك أوباما» متحدثًا من «البيت الأبيض» عدة مرات خلال فترة قصيرة عما يجرى فى «مصر»، أما وزيرة الخارجية «هيلارى كلينتون» ومساعدوها، فكانت أحاديثهم عما تشهده «مصر» شبه يومية مع رصد مباشر لكل ما يدور فى أنحاء البلاد، ولقد بدا واضحًا وقتها أن أهمية «مصر» وما يحدث فيها قد أضحت أمرًا يفوق التصور، حيث انشغلت الإدارة الأمريكية بحسابات جديدة للعلاقة مع أكبر دولة عربية وأكثرها تأثيرًا فى الرأى العام بمنطقة «الشرق الأوسط»
ولاشك أن «واشنطن» كانت ولا تزال فى حالة تنسيق دائم مع الدولة العبرية فيما يتصل بما نطلق عليه «الربيع العربى»، خصوصًا بالنسبة للثورة المصرية وتداعياتها، على اعتبار أن «مصر» هى الدولة العربية الكبرى الضامنة للسلام فى «الشرق الأوسط». ولعلى أطرح الآن ملاحظتين أساسيتين فى هذا السياق:
أولاً: إننى أظن- وليس كل الظن إثمًا- أن «الولايات المتحدة الأمريكية» تشعر بالرضا لما يجرى فى العالم العربى لا حبًا فى الديمقراطية ولا كراهية فى الاستبداد ولا عشقًا للحرية ولا رفضًا للفساد، إنما لسبب آخر هو أنها تتوهم أن صعود التيارات الإسلامية فى العالم العربى قد يكون مؤشرًا للاستقرار وظهور القوى الكامنة على السطح، وهناك من يرى من بين الخبراء الغربيين أن «الربيع العربى» سوف يؤثر سلبًا على ظاهرة الإرهاب الدولى، لأن دعاة التشدد الإسلامى سوف يفقدون أحد أسباب وجودهم ومبررات دورهم، فقد عاشوا عبر العقود الماضية، وهم يتحدثون عن النظم المستبدة فى العالم الإسلامى، لذلك فإن زوال هذه النظم يسقط من جعبة بعض التنظيمات الإرهابية الدافع الذى كانت تعتمد عليه فيما تمارس من عنف وما تقوم به من تصرفات مرفوضة تحت عمامة الدين الحنيف وداخل عباءته السمحاء بينما هو منها براء.
ثانيًا: لقد لاحظت فى السنوات الأخيرة ظهور كتابات غربية متناثرة لعدد من المؤرخين وخبراء علم السياسة، يتحدثون فيها عن تأثير سقوط دولة الخلافة العثمانية على ميلاد الحركات الدينية التى اعتمد بعضها العنف أسلوبًا بديلاً لمظلة الخلافة الإسلامية التى كانت تحتوى الأغلب الأعم من دول العالم الإسلامى، فكان سقوطها إيذانًا بحالة التشرذم التى شهدها المسلمون فى العقود الأخيرة والتى كان من نتائجها توالد بعض التيارات التى تعتمد منطق القوة سبيلاً لمواجهة الغرب الذى ترى فيه عدوًا تقليديًا للإسلام والمسلمين، ولعل ذلك التباكى الغربى على آخر خلافة إسلامية هو مبرر جديد لحماس بعض الدوائر الغربية لعودة التيار الإسلامى بقوة فى عدد من دول الربيع العربى، فهم يظنون وهمًا أن ذلك سوف يحميهم مما يطلقون عليه «الإرهاب» ويتحدثون عن الحرب عليه.
هذه قراءةٌ تحليلية لأسباب الترحيب المتحفظ من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بما نطلق عليه «الربيع العربى»، ولاشك أن «الدولة العبرية» هى حجر الزاوية فى تحديد درجة حماس الغرب عمومًا لما يجرى فى المنطقة العربية فى الشهور الأخيرة، لذلك فإننا سوف ننتقل إلى الكتابة عن «إسرائيل» والثورة المصرية حتى تكتمل الصورة وتتضح الملامح التائهة فى ضباب اللحظة التى نمر بها.
جريدة المصري اليوم
24 نوفمبر 2011
https://www.almasryalyoum.com/news/details/211732