الأب: يا ابنتى إن أباكِ قد حاول طوال حياته أن يكون خدومًا للجميع- بغير استثناء- ولكن لدغات الثعابين البشرية والعقارب الأرضية علمته أن المقولة الخالدة «اتق شر من أحسنت إليه» هى حكمة بالغة وقول مأثور تثبت الأيام صحته وتؤكد سلامته.
الابنة: أبى.. ربما تقول أنت الآن ذلك نتيجة المرارة التى تشعر بها بعد أن استخدمك اثنان كبيران «كأرنب سباق» لكى يحقق كل منهما ما يريد كما حرض أحدهما عليك دولاً وحكامًا وشبابًا، وتعددت لقاءاتهما الثنائية فى تلك الفترة وأنت تجوب دول العالم العربى بينما هما قد استقرا على أجندة أخرى أنت خارجها تماماً!.. لا تنزعج يا أبى فسوف تكشف الأيام الحقائق كاملة والكل يعرف أنك تتعامل مع الجميع بنية حسنة وقلبٍ صاف وعقل مفتوح.
الأب: هل تتصورين يا ابنتى أن صحفيًا شابًا قد جاءنى عام 2000 يطلب مساعدتى بعد أن أغلق النظام السابق الصحيفة التى كان يعمل بها فتعاطفت معه وأعطيته بطاقة توصية لزميلى رئيس تحرير إحدى مطبوعات «الأهرام»- والذى أعطانى تلك البطاقة مؤخرًا حيث كان يحتفظ بها ليذكرنى بما فعلت خيرًا وما حصدت شرًا- والغريب أن ذلك الصحفى الشاب قام بحملة موجهة ضدى على «بوابة الأهرام الإلكترونية» واندهشت يومها كثيرًا وتعجبت من طبائع بعض البشر.
الابنة: يا أبتاه تحرر من كل هذه الرواسب واتجه لعملك الأكاديمى والفكرى فهو أبقى لك وأنفع للناس، وهو الذى يمكث فى الأرض فلا تثريب عليك ولا مبرر للمرارة فى حلقك فقد حققت الكثير وأديت واجبك بإخلاص تجاه وطنك فى ظل ظروف الاستبداد والفساد.
الأب: هل تتصورين يا ابنتى أن مقدمًا لأحد البرامج فى أشهر قناة عربية والذى كان منبوذًا من النظام السابق ومطاردًا من أجهزته الأمنية ولكننى تعاطفت معه وسعيت إليه وساعدته فى إدخال أبنائه المدارس الحكومية وهذا حقه كمواطن مصرى ينتمى لتراب الوطن- هل تتصورين أن ذلك الإعلامى قد شارك فى حملة شعواء ضدى فى غمار الترشيح لمنصب إقليمى قومى، وقلت لحظتها سبحانك ربى خلقت البشر أنماطًا وجعلتهم درجات فى الخلق والضمير.
الابنة: يا أبى لا تستغرق فى هذا النوع من التفكير وتذكر أن البشر ليسوا ملائكة وأن أول شقيقين فى تاريخ البشرية قتل أحدهما الآخر، فالنفس أمارة بالسوء وليست كل القلوب نظيفة أو طاهرة.
الأب: فما رأيك يا ابنتاه فيمن يملأ الدنيا حاليًا صياحًا ويندس فى صفوف الثوار وقد كان بالأمس يطلب رضاء النظام السابق ويعين رموزه فى كليته الجامعية بإحدى المحافظات كما تميز تاريخه الأكاديمى بالتلاعب فى الدرجات العلمية حتى إن بلدًا عربيًا أصبح لا يعترف بالشهادات العليا التى قام ذلك الأستاذ بالإشراف عليها!
ولقد جاءنى ذات يوم ومعه وفد من أحد أقاليم «البلقان» يزور «القاهرة» طالبًا منى لقاءه فاعتذرت له لأننا لم نعترف بعد بذلك الإقليم كدولة مستقلة ولكن تحت إلحاحه واستجابة لسيف الحياء ورغبة فى مجاملته قابلت ذلك الوفد الذى كانت تربطه به صداقة أو مصلحة فإذا بهذا الأستاذ الزميل يختارنى حاليًا هدفًا لصراخه الدائم وحملاته الصوتية التى تعبر عن الظلام الداخلى القابع فى جوفه، كما أن هناك أيضاً يا ابنتى زميلة كبيرة ـ كنت أنا وزوجتى نرعى ابنتها فى عاصمة دولة أوروبية عوضًا عن غياب والدتها السفيرة فى عاصمة بعيدة حتى إننى سمحت بوضع خادمتها ضمن تصريحات الإقامة للعاملين المصريين معنا تقديرًا لظروفها الصعبة فى ذلك الوقت ـ فإذا بتلك السيدة تنهش اسمى فى عاصمة خليجية وتقف منى موقف العداء وترتدى ثياب الثورة وهى التى كانت تقيم حفلاً سنويًا ضخمًا على شرف قرينة الرئيس السابق تقربًا وزلفى فى دارها على شاطئ المنتجع الشهير فى الساحل الشمالى، لذلك كانت صدمتى كبيرة وحزنى شديدًا.
الابنة: يا أبى لا أريدك أن تكون هكذا.. دعك من كل ذلك إذ إنه لا يصح إلا الصحيح، فالناس معادن وتذكر دائمًا أن البشر خطاءون وبدلاً من أن تردد «اتق شر من أحسنت إليه» أدعوك أن تقول «اتق شر من أحسنت إليه بزيادة الإحسان إليه» فأنت لن تتغير، كما أن المعادن الطيبة لا تصدأ أبدًا.
جريدة المصري اليوم
4 أغسطس 2011
https://www.almasryalyoum.com/news/details/209680