الأزهرى: ياشقيق الحياة يا توأم الروح ماذا جرى لنا؟ إن الأحداث الطائفية وافدة علينا ولم تكن مستقرة فى تاريخنا بل هى عوارض تدل على خلل فى حياتنا وأمراض تمرح فى أحشائنا، إننى أتذكر أن كاتب هذه السطور اكتشف فى منتصف الثمانينيات أن السيارات الخاصة تجرى فى شوارع «القاهرة» وعليها ملصقات دينية مثيرة فأرسل صاحبنا يومها رسالة رسمية مشتركة مع الراحل «مريت غالى» إلى وزير الداخلية الأسبق يطالبانه برفع هذه الملصقات لأنها تثير الفتنة وتصنف سيارات المصريين حسب دياناتهم، ويومها دعم الأزهر والكنيسة المصرية هذا الموقف فاستجاب وزير الداخلية وتخلصنا من ظاهرة مقيتة وهى فى المهد، وهكذا تجد أيها الأخ أن دماءنا المشتركة أقوى من الدوافع العابرة أو الانفعالات المؤقتة.
الكنسى: صدقنى أيها الشقيق إن فى أعماقنا محبة متبادلة ومشاعر عميقة، إنما المشكلة دائمًا هى فى تطويع الديانات العظيمة لخدمة أهداف سياسية أو مصالح شخصية، وتوظيف العلاقة بين المسلمين والمسيحيين فى «مصر» من أجل أغراض تبدو بعيدة تمامًا عن الرسالة النبيلة للديانتين السماويتين، ثم إننى أصدقك القول أن وجود فراغ معرفى بين الجانبين تحتله الشائعات والأكاذيب والأوهام هو الذى يفجَّر أحداث الفتن الطائفية ويؤجج سعيرها، إن جسد أمتنا بخير وشعبنا مترابط والقصص التاريخية والنماذج الحالية التى تؤكد ذلك لا تعد ولا تحصى، ولكن المشكلة أيها الشقيق الغالى هى أن الحلول دائمًا شكلية مراسمية أكثر منها جوهرية أو موضوعية، فالقبلات المتبادلة والجلسات العرفية وغيرها من الأساليب المتبعة حاليا لا تقتلع الفتنة من جذورها ولكنها تبدو مسكنات مرحلية بلا جدوى.
الأزهرى: ما دمنا نتصارح هكذا فإن لى عتابًا على الأشقاء وهو أن كل قصة حب عابر بين مسلم ومسيحية أو العكس تؤدى إلى اشتعال الفتنة والتحفز من الجانبين وتحويل المسألة الشخصية إلى قضية عامة قد يسقط فيها ضحايا وتسيل دماء! أين التسامح الذى ورثناه؟ وأين الانصهار الاجتماعى الذى تعودناه؟ إننا جميعًا مصريون لا نفرق بين مسلم ومسيحي، وأتحدى من يميز بيننا بالشكل الخارجى أو أسلوب المعيشة أو تقاليد الحياة اليومية.
الكنسى: مادمت تفتح قلبك هكذا فإننى أقول لك إن التضييق علينا فى إقامة دور العبادة وتهميش دورنا فى بعض الوظائف العليا خصوصًا فى الجامعات والأجهزة السيادية الخاصة وبعض قطاعات الأمن الوطنى هو الذى يترك مرارة فى حلوقنا ويرسب بعض المشاعر السلبية لدينا رغم أننا ندرك جيدًا أن التعايش المشترك فى الشارع المصرى عظيم فى مجمله سليم فى معظمه، هذه خواطرى أبثها بكل شفافية وصراحة إذ إن التشخيص الأمين للداء هو الطريق الصحيح لتحديد الدواء، كما أن هناك نقطة أتحرج أن أثيرها وهى ذلك القلق الذى يعتورنا نتيجة بعض التصريحات من أشقاء الوطن المنتمين لبعض الجماعات «السلفية» خصوصًا فى الشهور الأخيرة، إننا نريد لهذا البلد المبارك أن يظل آمنا مطمئنًا كما أراده الله فى قرآنكم الكريم وباركته المسيحية فى رحلة العائلة المقدسة.
الأزهرى: لقد كان «الأزهر» ملاذًا للمصريين عبر العصور فعشنا معًا ما يقرب من خمسة عشر قرنًا محافظين على روح «مصر» وشخصيتها، ورغم أن «الأزهر» و«الكنيسة الأرثوذكسية» مؤسستان دينيتان فإنهما تلعبان دورًا فى حياة المصريين بحكم تأثيرهما الروحي، ولعلك تلاحظ التطور الجديد الذى طرأ بعد ثورة 25 يناير فلم الاعتصامات تعد مقصورة على الأزهر والكنيسة بل تجاوزتهما إلى مواقع مدنية ومؤسسات حكومية تأكيدًا لهوية الدولة العصرية التى تقوم على مبدأ المواطنة قبل غيره، وأريد أن أذكرك بأن المسلمين والمسيحيين عاشوا عبر القرون بنسبة تزايد سكانى واحدة تقريبًا وهو ما يعزز مفهوم العيش المشترك ويؤكد أن المخاوف المتبادلة والشكوك العارضة لا تعبر عن مصر الحديثة التى يعيش أبناؤها حياة العصر بعيدًا عن الأفكار البالية والأوهام المستهلكة والانفعالات المتعصبة.
جريدة المصري اليوم
21 يوليو 2011
https://www.almasryalyoum.com/news/details/209312