الثائر: إننى أرى المشهد غير مريح لنا، فلقد خرجنا إلى الميدان يوم 25 يناير فى ظل ظروف عصيبة وأوضاعٍ خانقة، ولم نفكر كثيراً فى خارطة طريق للمستقبل. لقد كان همنا الأول هو إسقاط نظام انتهى عمره الافتراضى، وأصبح خارج أجندة المستقبل، وكنا نشعر بالمعاناة والتهميش، وندرك أن تحالف الاستبداد والفساد قد تجاوز الحدود، لذلك كان هدفنا هو هدم الأوضاع القائمة دون التأثير فى المرحلة المقبلة.
الإصلاحى: إنك تقول الحقيقة أيها الثائر الشاب، فالثورة هى عملية تغيير جذرى، لإنهاء أوضاع قائمة وإزالة نظام مرفوض، لكنها تقف أحياناً أمام مفترق الطرق ويكون الأجدر والأوفق هو التحرك وفق برنامج إصلاحى واضح تلتف حوله الجماهير وتلتقى فيه آمالها، فالثورة غالباً ما تهدم الماضى وتطرح مبادئ عريضة للمستقبل، لكنها قد لا تملك آليات التنفيذ وعناصر الرؤية وخطوات التفكير ومنهج التحرك، فتلك كلها أدوات إصلاحية ليس بالضرورة يمتلكها الثوار.
الثائر: أيها الإصلاحى لا تحاول التسلل إلى صفوفنا واختراق جبهتنا إنك قد عايشت كل العصور وتراكمت لديك خبرات كثيرة، لكنك لم تقم بثورة مثلما فعلنا وانتظرت لتركب الموجة وتقطف الثمار بدعوى الإصلاح والحديث عن المواقف البطولية والاعتراضات العنترية، إننا نحن الثوار وقودنا دماء الشهداء وأرواحنا فداء الوطن، وإذا كنت تريد أن تبدأ مسيرة الإصلاح فنحن شركاءٌ لك، بل ربما رقباء عليك وقادة لخطواتك، لأنك عشت فى ظل أنظمة مستبدة وفاسدة أيضًا، ولم تتعود الهواء النقى والمناخ الصحى والحرية الحقيقية.
الإصلاحى: ما هذا التحامل أيها الشاب المتحمس، إن النقاء الثورى وحده لا يكفى، بل لابد من خبرة أجيال سبقت، فالدولة لم تولد يوم ميلاد ثورتكم، بل هى أسبق من ذلك بعشرات القرون، ثم إن كل من تعامل مع نظام فاسد ليس بالضرورة فاسد، فقد كان بين صفوفه إصلاحيون، بل ثوارٌ أيضاً هل نسيت أنه نظام استمر ثلاثين عاماً كاملة. لقد كان تفاديه أمراً مستحيلاً، وأنا أزعم أننى إصلاحى درس العلوم السياسية فلا هو طبيب ولا هو مهندس، ولا هو محاسب وليس أمامه إلا أن يكون دبلوماسياً أو برلمانياً أو إعلامياً أو أكاديمياً، فحرفته تحتم عليه أن يتعامل مع الدولة والنظام السياسى القائم شاء هو أو لم يشأ، ونحن نقول لكم أيها الشباب إن الثورات تأكل أبناءها وتحرق أحياناً أصابع من قاموا بها لذلك وجب عليكم الإفادة من تجارب الآخرين وخبرات الغير، بل أخطائهم أيضاً، فنحن جميعاً فى قارب واحد ومصر لكم ولنا أيضاً، فلا داعى للتعصب المقيت والنظرة الضيقة واللغة الحادة بدعوى أن تلك هى أخلاق الثوار.
الثائر: ويحك أيها الأحمق العجوز وهل يقبل الإصلاحى تزوير الانتخابات البرلمانية ويكتفى بالمعارضة اللفظية وعدد من المقالات هنا وهناك مع بعض المحاضرات الانتقادية فى مناسبات مختلفة ويدفع ثمناً معروفاً بالمنع من الكتابة الصحفية أو الإقصاء عن رئاسة لجنة حزبية أو التلويح بتهديدات وقتية؟! إنكم تريدون أن تأخذوا زمانكم وزمان غيركم وإذا كنتم أنتم- كما تدعون- أبناء الجيل المسروق فإننا لن نكون أبناء الجيل المحروق!
الإصلاحى: لقد كان تزوير الانتخابات سمة عامة للنظام السابق، لكن يجرى التركيز فقط على بعض الأسماء المعروفة للتشهير الدائم وقد يكونون مغلوبين على أمرهم، خصوصاً إذا جاء تقرير «محكمة النقض» نافياً شبهة التزوير، وهنا يكون الخلاف مع النظام القضائى كله الذى أشرف على الانتخابات وأصدر التقارير والأحكام، ولو أن رأيه كان غير ذلك لوجب أن نترك مقاعدنا على الفور، لأننا لا نؤمن بشىء اسمه «سيد قراره» فى ظل وجود أعرق وأقدم سلطة قضائية فى المنطقة كلها، ولى عتابُ عليكم أيها الثوار الشباب، وهو اندفاعكم لإقصاء الآخرين وشطب الماضى بشره وخيره والوقوف على الأطلال تصيحون صباح مساء بلا مبرر والناس فى عجب من أمركم، فالكل يعترف لكم بإسقاط نظام مستبد وفاسد، لكن الكل ينتظر منكم سعة الصدر ووضوح الرؤية والشراكة فى بناء المستقبل بدلاً من التفرغ فقط للانتقام وتصفية الحسابات وتشويه كل من رفع رأسه ذات يوم يقول الحق وسط الظلام الدامس، ونحن نقدر حجم الاحتقان المخزون لديكم وطاقة الغضب الكامنة فيكم، لكننا نريد أن نحيل ذلك إلى كيف إيجابى بدلاً من أن يكون كماً سلبياً.
الثائر: إننا نهدف إلى الديمقراطية السليمة والتنمية الحقيقية والعدل الاجتماعى مع ضرب الفساد ومقاومة الاستبداد، وكل من يعلن ذلك من أجيالكم السابقة بنية خالصة فهو شريك فاعل فى مستقبل هذا الوطن، ويجب أن تعذرونا، فالثورة عمرها شهور، بينما معاناتنا امتدت لعدة عقود لم يكن لنا فيها صوت ولا رأى، بل ربما لا قيمة أيضاً!
الإصلاحى: إننا نتفهم ما تعانونه ونقدر ما تفعلونه ونريد أن نحسب جميعاً خطواتنا بدقة وأن نحسن اختيار نواب الأمة، وأن نفحص جيداً ملف الرئيس القادم وأن نحترم جميعاً الدستور الدائم، متوقعين وجود مادة فيه قد تعطى القوات المسلحة، شريككم الأصيل فى الثورة، دوراً رقابياً داعماً يحمى الثورة ويحافظ على الشرعية الشعبية ويقترب من «التجربة التركية» المعروفة دون أن يقع فى أخطائها!
جريدة المصري اليوم
16 يونيو 2011
https://www.almasryalyoum.com/news/details/208403