يدهش المرء كثيرًا عندما يكتشف أن هناك مواقف مسبقة يجرى اتخاذها ضده على غير سندٍ من الحقيقة، ولكن نقلاً عن انطباعاتٍ تخالف الواقع، لذلك فهذه رسالة عتابٍ أبعث بها إلى الأشقاء فى دولة «قطر» بدءًا من سمو أمير البلاد وصولاً إلى كل المسؤولين فيها مرورًا بمثقفيها ومفكريها بعد أن انتهت المواجهة السياسية غير المبررة حول منصبٍ قومى يعتز به الجميع، ودافعى للكتابة اليوم هو أننى قد اكتشفت أن أشقاءنا فى «الدوحة» قد اعترضوا على ترشيح «مصر» لى لمنصب «الأمين العام لجامعة الدول العربية» متعللين ببعض الملاحظات، التى أطرحها فى شفافية ووضوح، خصوصًا أن دولة «قطر» قدمت مرشحها المحترم قبل ترشيح بلادى لى بعدة أسابيع، وهو ما يعنى أن المستهدف كان هو المرشح المصرى القادم بغض النظر عن شخصه، وليسمح لى الأشقاء بأن أذكرهم ببعض النقاط السريعة:
أولاً: جاءنى ذات يوم منذ قرابة عامين سفير دولة «قطر» السابق فى «القاهرة» سعادة «محمد بن خليفة»، وقد كان صديقًا عزيزًا يشكو لى من العنوان الرئيس لصحيفة حكومية مصرية تناولت اسم سمو «أمير قطر» وقرينته الفاضلة بما لا يليق فى أعراف الدول، واحترام قادتها، وقال لى: «ماذا نفعل إزاء هذا التجاوز غير المقبول؟» وبالفعل شعرت بأن الأمر يتنافى مع الأخلاق العربية والتقاليد المصرية، خاصة أن «أمير قطر» وقرينته التى تربت ودرست فى «مصر» كنت أسمع عن سيرتها الطيبة وذكائها وحسن خلقها الكثير من أستاذتها السابقة السيدة «نوال الدجوى»، أم التعليم الخاص فى «مصر»، فجلست أنا والسفير القطرى نبدى استياءنا لذلك الهبوط الإعلامى، خصوصًا أننى كنت قد تعرضت فى ذات الأسبوع لحملة صحفية رسمية خارج إطار الأخلاق والقيم والتقاليد الإعلامية، لذلك فقد اقترحت عليه أن يطلب موعدًا مع رئيس المخابرات العامة المصرية السابق الوزير «عمر سليمان»، ويعرض عليه ذلك الذى حدث بل أعطيته رقم الهاتف الخاص بمكتب الوزير. هذه هى أخلاقى التى يعرفها كل من تعامل معى، وإن أنكر الكارهون.
ثانيًا: عندما علمت منذ أكثر من عام بأن «أمير قطر» قدم دعمًا ماليًا لمرفق «السكك الحديدية المصرى» حين علم بتدهوره، وكثرة حوادثه شعرت بأنه موقف عربى أصيل رغم العلاقات المتدهورة بين النظام السابق فى «مصر» ودولة «قطر» حينذاك، وأكبرت فى الشيخ «حمد بن خليفة آل ثان» موقفه الكريم، وكتبت مقالاً أتحدث فيه عن أول لقاءٍ لى به فى «الدوحة» عندما كان وليًا للعهد عام 1989، وتذكرت أيضاً علاقتى الطيبة بالشيخ «حمد بن جاسم» عندما كان وزيرًا لخارجية بلاده قبل أن يضاف إليه منصب «رئيس الوزراء»، وكنت وقتها مساعداً أول لوزير الخارجية المصرية، لذلك تحدثت فى مقالى عن نهضة «قطر»، وشددت على أن أدوار الأقطار العربية متكاملة، وليست متنافسة بأى حالٍ من الأحوال.
ثالثًا: فى إحدى المحاضرات بكلية الاقتصاد جامعة القاهرة سألنى أحد الطلاب عن بيع متجر «هارودز» بـ«لندن» لرجل أعمال قطرى، وأبديت يومها أسفى لبيع المتجر، بسبب صداقتى لـ«آل الفايد»، وأنهيت تعليقى قائلاً: «إنه مما يقلل من حجم أسفنا أنه سوف يصبح فى أيدٍ عربية أخرى شقيقة ولن يخرج منا»، ويومها عاتبنى المفكر القطرى «د.المسفر» وهو صديق عزيز- ورددت عليه برسالة إلكترونية أشرح له فيها تفاصيل حديثى، وعندما قام أمير «قطر» بلفتة إنسانية رائعة، وسافر لعزاء أسرة أحد مدرسيه المصريين، وحضر إلى «القاهرة» لمواساة تلك الأسرة المصرية العادية وعاد إلى المطار مباشرة، عندها تحدثنا جميعًا عن جمال التصرف وإنسانية الموقف، وعندما حصلت دولة «قطر» على استضافة «كأس العالم» لعام 2022 سعد المصريون ككل العرب، لأن أدوارنا متكاملة، وليست متنافسة كما قلنا من قبل.
رابعًا: إذا كان الأشقاء فى «قطر» قد تأثروا بتحفظ حكومة «السودان» على شخصى، فإنهم يعلمون فى «الدوحة» وفى «الخرطوم» أننى من أشد المعنيين بالشأن السودانى، وإدراكاً لأهميته عربيًا وأفريقيًا، وكان ما ذكروه منسوباً لى فى ندوة حول مياه النيل فى آخر ديسمبر 2010، قد تم نقله عن الصحافة بشكلٍ غير دقيق، وكنت قد قلت إن النظام السودانى الحالى يعمل فى ظل ظروفٍ إقليمية ودولية ضاغطة هى الأسوأ والأصعب فى كل تاريخ «السودان»، وهو ما حرمنا من أن نجعل من «الوحدة» خيارًا جاذبًا لأشقائنا الجنوبيين، وقد استقبلنى سعادة سفير «السودان» بالقاهرة فى مكتبه، وشرحت له ملابسات تلك المداخلة فى إحدى ندوات «المجلس المصرى للشؤون الخارجية»، ووعدنى بأن ينقل وجهة نظرى إلى القيادة السودانية، ومع ذلك مضى الأشقاء فى «السودان» فى حملة معلنة ضدى على نحوٍ لا أجد له تفسيرًا مرضيًا.
خامسًا: إن الذين أبلغوكم، والوسطاء كثيرون، برفض شباب الثورة ترشيحى لم يقولوا الحقيقة، فأغلب الشباب بات اليوم مؤيدًا، وكل من التقى بى أصبح داعمًا، كما أن طبيعة الشعوب بعد الثورات الكبرى أن الإجماع فيها على شخصٍ بعينه يكاد يكون مستحيلاً، بل تبدو موافقة الأغلبية أيضًا صعبة، أما عن علاقتى بالنظام السابق، فإننى أحيلكم إلى شخصية يحترمها الجميع وتقدرونها وأقدرها وأعنى بها الكاتب الكبير الأستاذ «محمد حسنين هيكل»، الذى كان يعلم حجم العنت الذى ألاقيه والضغوط التى تعرضت لها فى السنوات الأخيرة حتى إننى عندما كتبت عنه مقالاً موضوعياً منعت من النشر فى صحيفة «الأهرام» طوال عام 2008 بكامله!
وهكذا تكتشفون أننى لم أكن «بوقًا» ولا «رقمًا» فى قطيع، ولكننى كنت إصلاحيًا بقدر ما أتيح لى من رؤية وشجاعة أيضًا، ولقد دفعت الثمن كثيرًا، وكل منصفٍ يدرك ذلك خصوصاً أننى ابن الدبلوماسية المصرية العريقة، التى قضيت فى خدمتها خمسًا وثلاثين عاماً قبل أن يتم تعيينى فى البرلمان المصرى.
.. هذه ملاحظاتٌ أردت أن أسجلها لأشقائى فى «قطر» و«السودان»، مؤكدًا لهما أن المنصب لو كان قد جاءنى، فإنه يرفع مكانتى وظيفيًا، أما وقد ذهب عنى فلن يهبط بقامتى فكريًا! وأنا أردد الآن مع سمو «أمير قطر» عبارة قالها على شاشات التليفزيون ذات يومٍ متوجهًا بها إلى من أفشلوا «قمة قطر» منذ قرابة عامين، أردد معه العبارة الكريمة نفسها (حسبى الله ونعم الوكيل).
جريدة المصري اليوم
19 مايو 2011
https://www.almasryalyoum.com/news/details/207480