منذ مائتى عام، فى (1811) حدثت «مذبحة القلعة» واستأثر «محمد على» بحكم البلاد، ومنذ أربعين عاماً (1971) قام «أنور السادات» بثورته التصحيحية وأطاح بخصومه وانفرد بالسلطة..
وليس ذلك هو وجه الشبه الوحيد بين «محمد على» و«السادات»، فكلاهما رجل دولة من طرازٍ فريد، حيث كانت لهما القدرة على فهم المتغيرات الدولية واللعب بـ«الكروت» الإقليمية وتحريك المسار فى الوقت المناسب.. أقول ذلك وأنا ألفت النظر إلى تاريخ «السادات» قبل ثورة يوليو 1952، حيث لم يكن ضابطاً عادياً فى الجيش المصرى ولكنه مناضل من طراز خاص فى الشارع السياسى بكل توجهاته، احترف عدداً من المهن بدءاً من قيادة سيارات «اللورى»، إلى العمل فى الصحافة، وشارك فى اغتيال «أمين عثمان»، وزير المالية فى حكومة «الوفد» والمعروف بميوله نحو البريطانيين، وهو صاحب العبارة الشهيرة: (إن بين مصر وبريطانيا زواجٌ كاثوليكى)، كما شارك مع «عزيز المصرى» فى محاولة النزول وراء خطوط القتال فى الصحراء الغربية لمقابلة القائد الألمانى المنتصر «روميل» طلباً للاستقلال ونكاية فى الإنجليز، وهى الحادثة التى انتهت بسقوط الطائرة عند «قليوب» وكان من طياريها «حسين ذوالفقار صبرى»، الذى أصبح نائباً لوزير الخارجية بعد الثورة بعدة سنوات، وهو أيضاً «أنور السادات» الذى أصلح جهاز «التشفير» الذى كانت تستخدمه فنانة مصرية هى «حكمت فهمى» فى التراسل من إحدى العوامات على نيل «القاهرة» مع أجهزة الاستقبال والرصد لدى القوات الألمانية، وهو أيضاً «أنور السادات» الذى كان عضواً فى تنظيمين سريين فى وقتٍ واحد، وأعنى بهما: «تنظيم الحرس الحديدى» التابع للقصر والموالى للملك، و«تنظيم الضباط الأحرار» الذى كان يقوده «جمال عبدالناصر» على الجانب الآخر، وهو الذى أوصل بعض منشورات الثوار إلى مكتب الملك عن طريق السيدة «ناهد» الوصيفة بالقصر وقرينة صديقه الضابط الطبيب «يوسف رشاد»، فنحن إذن أمام شخصية غير عادية لرجلٍ لم يفرح بالرداء العسكرى ولكنه فضل دائماً أن يكون جزءاً من القضية الوطنية، فلم يبع حركة «الضباط الأحرار» ولم يقايض عليها، لذلك فإننى أختلف مع كل من يتهمونه بخيانة مبادئه فى مرحلة لاحقة من حياته، لأن شبابه يعبر عن مرحلة كاشفة لدوره السياسى وانتماءاته الوطنية، وسوف يذكر التاريخ دائماً لذلك الرجل أنه كان صاحب القرارين: «قرار الحرب» و«قرار السلام» ولم يكن أى منهما قراراً سهلاً بعد هزيمة «يونيو» النكراء، وأنا لا أنكر أن «حرب الاستنزاف» كانت جزءاً لا يتجزأ من حرب «أكتوبر» 1973 ومقدمة طبيعية لها، كما أننى أتذكر أن الجيش المصرى الباسل قد حارب معركة «رأس العش» بعد أقل من أسبوعين من نكسة يونيو 1967، كذلك فإن خطة العبور كانت قد بدأت منذ عهد الرئيس «عبدالناصر» ولكن القدر لم يمهله ليتخذ قرار الحرب الذى اتخذه ذلك القائد الجسور «محمد أنور السادات»، الذى أدرك مبكراً العلاقة الوثيقة بين «واشنطن» و«تل أبيب» وحاول اللعب عليها لاستعادة الأرض المصرية المحتلة بمنطق الفلاح الذى يرى أن الأرض هى العِرض وأن استردادها حقٌ يعلو فوق ما عداه، وسوف ينصف التاريخ ذات يومٍ ذلك الرجل ويعطيه حقه كما أنصف من قبله الزعيم القومى «جمال عبدالناصر»..
إنه «أنور السادات» الذى نقل الدولة المصرية من مرحلة إلى أخرى وظهرت فى عهده المنابر السياسية وبدأت عملية الانفتاح الاقتصادى بكل ما لحق بها من سلبيات غيرت هيكل الاقتصاد المصرى وملامح التجربة التنموية التى كان يجب أن يعيشها الشعب المصرى أسوة بشعوب أخرى كانت تمضى متوازية معه على الطريق نفسه، ولعلى أتذكر هنا «التجربة الهندية» الملهمة التى لم تستطع «مصر» مجاراتها حتى النهاية، فتحقق لـ«الهند» ما أرادت واكتفينا نحن بالانفتاح الاستهلاكى الذى أحدث التفاوت الضخم بين الطبقات، وجعل «مصر» تبدو وكأنها تمشى على رأسها فى ظل خريطة اجتماعية مشوهة أنهت ملامحها ثورة 25 يناير 2011.
جريدة المصري اليوم
28 أبريل 2011
https://www.almasryalyoum.com/news/details/206748