هو ذلك الدبلوماسى المخضرم، والكاتب الإسلامى المعروف، وابن العلامة الراحل الأستاذ «أحمد أمين» صاحب «فجر الإسلام وضحاه» وشقيقه الأصغر هو أستاذ الاقتصاد اللامع فى «الجامعة الأمريكية» الدكتور «جلال أمين»، ولقد عرفت «حسين أمين» فى سبعينيات القرن الماضى عندما عدت من «لندن» والتحقت بالعمل فى «معهد الدراسات الدبلوماسية» مشرفاً على قسم البحوث للدبلوماسيين الجدد، وكان «حسين أمين» فى ذلك الوقت هو والسفير «شكرى فؤاد» والسفير «إيهاب وهبة» والسفير «د.محمود مرتضى» يعملون فى إدارة «التخطيط السياسى» تحت رئاسة السفير «عبدالرؤوف الريدى»، وكان مبنى المعهد ملاصقاً لمبنى تلك الإدارة فكنت دائم التواجد مع تلك الصحبة الممتازة من أبناء الدبلوماسية المصرية، وكان «حسين أمين» هو مركز الثقل الثقافى لنا عائداً من عمله فى سفارتنا فى «بون» عاصمة «ألمانيا الغربية» حيث لم تتوافق الكيمياء الشخصية بين ذلك المفكر الفذ والوزيرة أستاذتنا جميعاً الدكتورة «عائشة راتب» التى كانت سفيرتنا هناك، وكان هو نائباً لها، ويقال إن من مظاهر ذلك الخلاف أنه كان يناديها بكلمة «مدام» بينما كانت تفضل هى وهذا حقها لقب «سفيرة» أو «وزيرة» أو «أستاذة الجامعة» لذلك قرر قطع مدة خدمته هناك وعاد إلى «قاهرة المعز» بشهية ثقافية متفتحة يقرأ ويكتب ويحاور ويناقش وأصدر وقتها كتابه الشهير «يوميات المسلم الحزين»
وحدث أن سقط نظام الشاه فى «إيران» وظهرت الثورة الإسلامية فى ذلك الوقت، فكانت له تعليقاته وآراؤه حولها التى تنم عن رؤية بعيدة وفهم عميق للعالمين العربى والإسلامى خصوصاً أنه كان قد خدم فى «الاتحاد السوفيتى» السابق وقبله فى «نيجيريا» وربما خدم فى «لندن» أيضاً لا أتذكر تماماً، إلا أن ثقافته الواسعة كانت تدل على التعددية فى مصادره واهتماماته الفكرية المتنوعة وعندما عمل سفيراً لـ«مصر» فى «الجزائر» كان وزير الخارجية هناك هو السيد «أحمد طالب الإبراهيمى» ابن الشيخ «الإبراهيمى» الذى أمضى فترة من حياته مع والده فى حى «مصر الجديدة» فجاءت برقية اللقاء الأول للسفير «حسين أمين» مع وزير خارجية «الجزائر» تحفة أدبية تدور حول الذكريات المشتركة بين ابن المفكر الأديب «أحمد أمين» وابن العالم الإسلامى الجزائرى الشيخ «الإبراهيمى».
ويتميز «حسين أمين» بروح السخرية فى الحديث والقدرة على الدعابة عندما يريد، ولقد حدث عندما عُيّن فى «نيجيريا» أن فتح إحدى الموسوعات لكى يقرأ عنها فرأى أن المكتوب هو أنها (جنة الحشرات) وقد كان يردد هذه الطرفة أمامنا أحياناً، وقد دعوته ذات يوم إلى منزلى ليرى مكتبتى الخاصة، وعندما شاهدها وكنت عائداً من «لندن» حاملا درجة الدكتوراه نظر إليها ساخرا وقال إنها فى حجم مكتبته عندما كان فى نهاية المرحلة الثانوية!
والسفير «حسين أمين» و«د.حازم الببلاوى» الاقتصادى الشهير متزوجان بشقيقتين وتربطهما صداقة عمر طويل، أما شقيقه الدكتور «جلال أمين»، الذى كنت ألتقيه فى ممر مبنى ملحق الجامعة الأمريكية لسنوات طويلة، حيث كان هو أستاذ الاقتصاد المرموق بالجامعة وأنا أستاذ العلوم السياسية بها من الخارج، فكانت علاقتى به طيبة ولكنها ليست عميقة، وذات يوم جاءتنى ابنتى الصغرى تشكو من صعوبة مادة «الاقتصاد» التى يدرسها الدكتور «جلال أمين» وبعفوية كاملة اتصلت به هاتفياً أحكى له عما تشكو منه ابنتى ثم وقعت فى خطأ جسيم إذ قلت له فى نهاية المكالمة إننى أتمنى أن يتسع وقته لإلقاء بعض المحاضرات على الدبلوماسيين الجدد فى معهد الدراسات الدبلوماسية الذى كنت مديره آنذاك لأننا نريد لهم أن يستمعوا إلى كل وجهات النظر ومختلف الأفكار، وهنا ربط الأستاذ الكبير بين شكوى ابنتى وبين دعوتى له، واعتبر أن الأخيرة محاولة لاسترضائه على نحوٍ قد يدفعه إلى مساعدة ابنتى دراسياً، فغضب فجأة أثناء المكالمة، والله يعلم أننى لم أقصد شيئاً من ذلك وكل ما فى الأمر أننى انتهزت فرصة الحديث معه لأشير إلى موضوع المحاضرة التى نتطلع إليها بعد الإشارة إلى مشكلة ابنتى التى أتحدث عنها، ولم يكن فى ذهنى ارتباط بين الأمرين إطلاقاً، ومع ذلك حدثت جفوة بينى وبين ذلك الأستاذ المتميز لعدة سنوات حتى سعيت إلى مصالحته ذات يوم ونحن نستقل الطائرة عائدين من أحد المؤتمرات فى «شرم الشيخ»، وأنا شخصياً أحمل له مودة لم تنقطع لأننى أظن أن أبناء «أحمد أمين» هم نوعية متميزة فكراً وخلقاً.
أعود الآن إلى سيرة صديقى العزيز السفير «حسين أمين» الذى انقطعت أخباره عنى فى السنوات الأخيرة– أمدّ الله فى عمره– باستثناء ما كان يتحفنا به من كتابات رائعة وإن كان مُقلاً فى إنتاجه عمومًا، ومازلت أتذكر بالاعتزاز والامتنان أن السفير «حسين أمين» شرفنى ذات مرة- فى مجاملة لا أنساها- بحضور إحدى محاضراتى للدبلوماسيين الجدد وتحدث معى بعدها عن المؤرخ الشهير «آرنولد توينبى» عندما زار «القاهرة» وكيف أن القدرة على الحديث مَلَكة لا تستقيم لكل المحاضرين وحيّانى بكلمات طيبة أعتز بها.
.. إن «حسين أحمد أمين» قيمة كبيرة فى حياتنا الفكرية والثقافية والدبلوماسية، ونموذجٌ فريد فى تعدد المواهب وتنوع القدرات، أمد الله فى عمره حتى يرى أن «المسلم الحزين» قد بدأ يدخل مرحلة الوسطية والتسامح التى يدعو إليها ذلك المفكر الكبير!
جريدة المصري اليوم
10 فبراير 2011
https://www.almasryalyoum.com/news/details/51655