مفكر مصرى رفيع القدر، وعقلية متقدة أقرب ما تكون إلى مزرعة للأفكار ومصنع للمبادرات، هو أستاذ من أساتذة الإدارة حصل على شهادته العليا فى كبرى الجامعات الأمريكية، واشتغل بالتدريس سنوات فى «الجامعة الأمريكية» قبل أن يصبح عضواً بارزاً فى «مجلس الشورى» وهو يتميز بنقاء وطنى واضح وشفافية فكرية ملحوظة يعبر عما فى قلبه مباشرة وينطق بما فى عقله دون مواربة، فهو -فى ظنى- واحد من «زعماء الإصلاح» فى مصر المعاصرة لأنه يربط بين المخزون النظرى فى دراساته وفقه الواقع من معايشته السياسية وممارساته الوطنية، وقد اقترن بسيدة أجنبية فاضلة وله منها ابنة هى قُرة عينه فى هذه المرحلة من العمر، خصوصاً أن الله امتحنه بحالة صحية طارئة نتجت عن «جلطة» عابرة أدت إلى بعض العجز الجسدى، ولكن على ما يبدو أنها بقدر ما سحبت من قوة الجسد، أضافت إلى قوة العقل، فالرجل متوقد الذهن متوهج الفكر شديد الذكاء قادر على الإفصاح عما يريد، بل هو يقذف بالآراء والأفكار دون حسابات شخصية أو تحفظات ذاتية، ويوجه انتقادات حادة بلسان لاذع، عندما يرى خطأ واضحاً أو عيباً مستمراً، إذ إن لديه مفاتيح علمية وعملية لحلول كثيرة لمعظم مشكلاتنا الداخلية، وهو يواجه مشكلات المجتمع، سياسية وثقافية واقتصادية واجتماعية، فى وضوح وتجرد يحيط بهما كبرياء وطنى وشجاعة ملحوظة تستند إلى رؤية شاملة وإرادة واضحة، فهو الذى يقول لنا دائما إن مشكلات مصر السياسية تكمن فى «الإدارة» التى تحدد ما يجب أن يقوم عليه فكر الدولة وسياساتها، ولم يكن غريباً أن الحكومة الأمريكية تحمل اسم «الإدارة» فالسياسة «إدارة» والاقتصاد «إدارة» بل إن الأدب والفن هما أيضاً يحتاجان إلى «إدارة» قادرة على صياغة الحاضر واستشراف المستقبل.
وتربطنى بالدكتور «صبرى الشبراوى» علاقة فكرية وثيقة أعتز بها وعقلية متقاربة أحرص عليها، فالرجل يسعى لمكافحة الفقر ومقاومة الفساد والقضاء على النفاق السياسى والاجتماعى- ويسمى حملة المباخر للنظام بـ«المحبظاتية» فى إشارة إلى بعض رموز «العصر المملوكى»- ويطالب دائما بدفع مسيرة الإصلاح والتنمية من منطق العالم وبروح المفكر، ولا أنسى سعادته بمقال لى كتبته منذ سنوات تحت عنوان «قيادة الأوطان تختلف عن إدارة الشركات» دعوت فيه إلى ضرورة توافر الرؤية البعيدة والإرادة القوية إذا أردنا أن نشيد وطناً نخشى عليه فى أصعب الظروف وأحلك الأوقات، وقد أشرت فى ذلك المقال، ومنذ أكثر من عدة سنوات، إلى الزواج غير الشرعى، بين بعض رموز السلطة فى جانب ورجال الأعمال فى جانب آخر والتداخل المفسد بينهم، ويجب أن أعترف أن عبارتى الشهيرة عن «الدور المسحور» أو «الجيل المسروق» هى مستمدة من حواراتى مع ذلك المفكر الاقتصادى صاحب الرؤية السياسية الشاملة.
ولقد رأيت «صبرى الشبراوى» وهو يوجه انتقاداته فى المحافل الرسمية بنفس القدر الذى يقول به فى الحجرات المغلقة ولا يملك الإنسان إلا أن يحترمه وأن يجله، ولقد سعدت بحضوره مؤخراً جلسة خاصة للجنة الشؤون العربية والخارجية والأمن القومى بمجلس الشورى، وحضر معه كوكبة من أعضاء المجلس منهم السفير «محمد بسيونى» و«د. عمرو سلامة» و«د. محمد عبداللاه» و«د. رفعت السعيد» و«د. محمد كمال» والسيدات «د. يمن الحماقى» و«سامية جرجس» و«إيفا كيرلس»، وكنت -بحكم رئاستى للجلسة- أوزع أسئلة الوفد الكبير لمجلس العلاقات الخارجية فى «الولايات المتحدة الأمريكية» على هذه الرموز المصرية كل حسب تخصصه، وقد آثرت يومها أن أحيل أصعب الأسئلة فى الجانب الاقتصادى وإدارة شؤون الثروة المصرية إلى ذلك الزميل الكبير «صبرى الشبراوى» بحكم علمه وخبرته وتخصصه.
إننى أسجل هنا تحية إعزاز واحترام لمصرى خرج من طين هذا الوطن منطلقاً من إحدى قرى محافظة «الدقهلية» لكى يكون واحداً من أبرز خبراء الإدارة وعلماء الاقتصاد فى بلدنا، ومازلت مديناً لأخى الكبير السفير «أسامة الباز»- ضمن ما أدين به له- بأنه كان سبب تعرفى على صديقه الدكتور «صبرى الشبراوى» منذ أكثر من ربع قرن من الزمان، فتحية لذلك المفكر والعالم الذى سوف يرتبط اسمه دائماً بالتألق الفكرى والطهارة الوطنية والسمو النفسى، والذى يؤكد لى دائماً كلما رأيته أن هذا الوطن العظيم لم يستفد بالكثيرين من أفضل أبنائه بعد!
جريدة المصري اليوم
3 فبراير 2011
https://www.almasryalyoum.com/news/details/51507