هو فى ظنى واحد من أكثر من عرفت فى حياتى صلابة فى مسيرة العمر وقدرة على القفز فوق الأحزان ورغبة فى استمرار العطاء بلا توقف، إنه «أحمد حمروش» الكاتب والسياسى والمفكر ابن قرية «الخوالد» فى محافظة «البحيرة»، وهو سليل بيت علم ودين، وصل أحد رموز عائلته المقربين إلى «مشيخة الأزهر»، بدأ حياته ضابطًا فى القوات المسلحة وارتبط بتنظيم «الضباط الأحرار» الذين رأى قادتهم فيه نموذج الضابط المثقف الذى يهوى الصحافة العسكرية ويجيد كتابة المقال والتحقيق والرواية، فارتبط مع سنوات الثورة الأولى بمطبوعاتها المبكرة وكان أحد الجسور الوطنية بين ثورة يوليو واليسار المصرى الذى ينتمى إليه، بل إنه مارس دورًا خلف الكواليس فى مشروع الاتصال السرى بين بعض القادة الإسرائيليين والزعيم الراحل «جمال عبدالناصر» فى منتصف خمسينيات القرن الماضى من أجل طرق باب لتسوية مبكرة بين العرب واليهود، حتى تولى «أحمد حمروش» رئاسة مجلس إدارة «روز اليوسف» كما تولى رئاسة «هيئة المسرح» وظل دائمًا على الحدود التى تلتقى عندها السياسة بالأدب والفن ولكنه لم يخرج عن عباءة الصحافة على امتداد العقود الخمسة الأخيرة إلى أن استقر به المقام لكى يترأس «اللجنة المصرية للتضامن» ثم لجنة التضامن ككل منفردًا بعد رحيل «د.مراد غالب» وزير الخارجية الأسبق الذى كان يشغل ذلك الموقع وبذلك جمع «أحمد حمروش» بين موقعى المفكر والروائى الراحل «عبدالرحمن الشرقاوى» والوزير المرموق «مراد غالب» مهندس العلاقات بين «القاهرة» و«موسكو» لسنوات طويلة.
ولقد قام «أحمد حمروش» بعملية تأريخٍ أمينة «لثورة يوليو 1952» وكان صعبًا عليه أن يرضى جميع الأطراف حتى اختصه الكاتب الساخر الراحل «محمود السعدنى» بمقالٍ حول ذلك تحت عنوان «ثورة 23 حمروش»، ولقد تمتع الرجل فى عهد الرئيس «عبد الناصر» بالقرب من مراكز صنع القرار ومازلت أتذكر صداقته مع السيد «أحمد كامل» رئيس المخابرات العامة الأسبق والذى شغل أيضًا منصب «محافظ الإسكندرية»، ولا زلت أتذكر أن الأستاذ «حمروش» كان يستقبلنى بصفةٍ دورية وأنا شابٌ فى مقتبل العمر يستمع منى عن هموم جيلى وأخبار «منظمة الشباب» حيث كنت مدينًا فى بداية هذه العلاقة والتعرف بالأستاذ «أحمد حمروش» لواحدٍ من ألمع شباب هذا الوطن وهو الذى كان يصغرنى بعدة أعوام رغم زمالتنا فى الجامعة وفى منظمة الشباب وقد تبوأ موقع «رئيس اتحاد طلاب الجمهورية» وأعنى به الصديق الراحل الدكتور «علاء أحمد حمروش» الذى كان امتدادًا لأبيه المحترم فى الثقافة والشخصية حتى نال درجة الدكتوراه من إحدى الدول الاشتراكية تأثرًا بنزعات أبيه فى الانتماء للفكر الاشتراكى واليسار المصرى.
ولن أنسى ما حييت صدمة الخبر المؤلم الذى تلقيته وأنا سفير لمصر فى «فيينا» عندما نعى الوطن أحد نجومه الباهرة بالرحيل المفاجئ للدكتور «علاء حمروش»، الذى كان وطنه ينتظر منه الكثير، حيث كان يشغل منصبًا رفيعاً فى «وزارة الثقافة» المصرية كما كان صهرًا للأستاذ الدكتور «لبيب شقير» أستاذنا فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية والذى أصبح آخر رئيس لمجلس الأمة فى عصر الرئيس «جمال عبدالناصر»، وكانت صدمتى كبيرة لأن الدكتور «علاء حمروش» كان فى زيارتى «بالنمسا» فى مهمة وظيفية قبل رحيله بأسابيع قليلة لذلك كان حزنى شديدًا ولوعتى بغير حدود!
وعدت إلى «القاهرة» وحضرت حفلاً جامعًا لتأبينه أقامه «شباب مصر» ورأيت «أحمد حمروش» بكبريائه وشموخه يحتسب عند ربه فلذة كبده وقرة عينه ويرى فى كل شباب الجيل «علاء» الآخر بحكم أبوته الوطنية لكل من عرفه، وقد ظلت علاقتى بالأستاذ «أحمد حمروش» وحوله كوكبة من كبار المسؤولين السابقين من بينهم رؤساء الوزارات المصرية والوزراء والسفراء وكبار الضباط، وظللت متشرفًا بعضوية مجلس إدارة «منظمة التضامن» أتعلم من «أحمد حمروش» كلما سنحت الفرصة وأحضر اللقاءات الفكرية والندوات الثقافية معتزًا وسعيدًا.
.. إنه «أحمد حمروش» واحد من أعظم رموز هذا الوطن وأكثرها تأثيرًا فى الأجيال المتعاقبة، أسأل الله أن يمتد عمره وأن يتواصل عطاؤه من أجل «مصر» وأجيالها القادمة.
جريدة المصري اليوم
6 يناير 2011
https://www.almasryalyoum.com/news/details/51078