يثور تساؤل في كافة الأوساط المحلية والإقليمية والدولية حول المستقبل القريب لمصر، من هو الرئيس القادم؟ ما هي النسبة المنتظرة للقوي السياسية المختلفة في الانتخابات البرلمانية القادمة؟ كيف سيكون شكل الدستور التوافقي بعد تعديل دستور2012 ؟
وسوف نجتهد في اجتراء وتجرد أيضا وبشكل مباشر للإجابة عن هذه الأسئلة من خلال النقاط التالية:
أولا: لا يجادل أحد في أن شعبية الفريق أول عبد الفتاح السيسي كاسحة، فالرجل يجمع بين الصفات العظيمة لدي الرئيسين الراحلين عبد الناصر و السادات فلديه من الأول الكبرياء الوطني ومن الثاني الدهاء السياسي فضلا عن إقدام وشجاعة تحسب له فيما قام به في3 يوليو2013 انعكاسا لشخصية جسورة قدمت المصلحة الوطنية علي الأمان الشخصي، فقد كان الرجل يستطيع أن يمضي مع حكم الإخوان ويحقق دورا كبيرا ويحتل منصبا رفيعا ولو علي حساب مستقبل مصر وهويتها وهذه نقطة تحسب للسيسي في تاريخنا الوطني، وإذا تقدم الرجل للمنصب الأول في البلاد فسوف ترتفع أصوات من الداخل والخارج تصيح ألم نقل لكم إن ما جري كان انقلابا عسكريا وها هو قائده يطل علينا متجها إلي القصر الجمهوري؟! من هنا فإنني أتمني علي ذلك القائد العسكري أن يترك قيادة الجيش فور إعلان نتيجة الانتخابات البرلمانية ـ بفرض أننا سوف نمضي بشكل طبيعي من دستور إلي برلمان إلي رئيس دولة ـ وأن يتقدم نحو الساحة السياسية حيث جماهير الشعب التي سوف تستقبله باحترام وتقدير وفي خلفية ذلك أسماء عظيمة في تاريخ الدول الكبري مثل الجنرال دوايت إيزنهاور في الولايات المتحدة الأمريكية والجنرال شارل ديجول في فرنسا، فليس كل من جاء من خلفية عسكرية يكون سلطويا مستبدا، ويجب ألا ننسي أن صدام حسين كان مدنيا بكل ما فعله، ولم يكن عسكريا برغم الزي الذي اغتصبه، إنني لا أروج للسيسي ولكنني أعطيه حقه وجماهير30 يونيو و26 يوليو هي الحكم الفيصل، ونتذكر هنا أن حول الفريق أول عبد الفتاح السيسي مجموعة متميزة من القيادات العسكرية من أبناء المدرسة الوطنية المصرية التي تمضي بالجيش المصري علي طريقه في صيانة الأمن القومي والمصالح العليا للشعب.
ثانيا: إن هناك أسماء مصرية شريفة في مجالات القضاء والدبلوماسية والجامعات ومن الضباط السابقين وغيرهم بل إنني أعترف أنه أثناء مشاهدتي للحوار الذي جري مع الرئيس المؤقت عدلي منصور شعرت أن الرجل يملأ مكانه ويمتلك من مقومات الحكم وهيبة الرئاسة ما يجعله هو وأمثاله من القضاة العظام أو الدبلوماسيين السابقين أو الضباط المتقاعدين نماذج يمكن التفكير فيها، وأضيف أن متابعتي للدكتور مصطفي حجازي مستشار الرئيس تضعه أيضا في عداد الشخصيات الشابة المؤهلة لدور أكبر، كما أن منصب الرئاسة في مصر ليس حكرا علي فئة ولا حقا لجماعة إنما هو لإرادة الشعب المصري مهما حاولت الولايات المتحدة الأمريكية، بطلب من إسرائيل، التدخل في الشأن المصري كما قلت في عام2009 حيث هاجمني الجميع عندما ذكرت ذلك في عبارة وصفية مجردة ولا تمثل رأيا شخصيا، ولقد طرح المصريون مؤخرا أسماء أخري في هذا السياق من أمثال اللواء مراد موافي رئيس المخابرات الأسبق و الفريق سامي عنان رئيس الأركان الأسبق للقوات المسلحة وغيرهما من رموز العسكرية المصرية يتقدمهما المرشح السابق للرئاسة والذي تتواتر المعلومات عن أنه كان فائزا بالمنصب وأعني به الفريق طيار أحمد شفيق رئيس الوزراء الأسبق بخبرته الإدارية الواسعة واهتمامه الدائم بالشأن الوطني في السنوات الأخيرة، ويبقي اسم المناضل حمدين صباحي المرشح الرئاسي السابق أيضا بتاريخه السياسي الحافل وانحيازه للطبقات الكادحة وحرصه علي العدالة الاجتماعية، ولعلي أرتفع عن مشاعري الشخصية لكي أقول إن السيد عمرو موسي لو كان أصغر سنا لكان الأجدر والأكفأ والأسرع وصولا للمنصب وتحقيقا لأهدافه.
ثالثا: إنني أتصور أن يحصل التيار الإسلامي في الانتخابات البرلمانية القادمة ـ إذا شارك فيها ـ علي نسبة قد تصل إلي ثلاثين بالمائة رغم كل ما جري لأن حشود الشارع المصري في30 يونيو2013 ليست هي بالضرورة طوابير المواطنين أمام لجان الاقتراع وهذه ظاهرة تستحق التأمل وتدعو التيارات الليبرالية والقومية واليسارية أن تراجع حساباتها حتي لا يأخذها بريق الثورة الشعبية نحو أوهام لا تتحقق! فالدولة المدنية التي تقوم علي الوطنية المصرية لا تعادي التعددية ولا يمكن أن ترفض الهوية العربية الإسلامية لمصر التي تمثل بعدا ثقافيا يقبله المسيحيون المصريون مادام يحمي حقوقهم ويصون معتقداتهم ويحافظ علي كنائسهم، فالمشكلة ليست مع الإسلام ذلك الدين الحنيف الذي يقوم علي التسامح ورحابة التفكير وسعة الأفق ولكن المشكلة تأتي من جماعة من المسلمين احتكروا تفسير الشريعة وتأويل الفقه وإصدار الفتاوي والأحكام، لذلك فإننا نأمل في برلمان تعتبر التعددية إضافة لقيمته وليست انتقاصا من قدره واضعين في الاعتبار أن الأخذ بالنظام الفردي لا يزال ضرورة هذه المرة حتي يكون لدينا نظام حزبي قوي يجعلنا نفكر في الانتخاب بالقائمة وربما أيضا في الأخذ بالنظام البرلماني الذي يحمي الفئات المهمشة ويفتت ظاهرة الفرعون.
رابعا: إنني متفائل بلجنة الخمسين لتعديل الدستور ويدعوني إلي الارتياح وجود أسماء في قيادتها مثل الدبلوماسي عمرو موسي والفقيه الدستوري د. جابر جاد نصار والكاتب الروائي محمد سلماوي وغيرهم من رموز الحياة العامة المصرية، وأرجو أن يأتي الدستور المعدل توافقيا يرضي القوي المدنية ولا يغضب التيارات الإسلامية في ذات الوقت! قد تكون المعادلة صعبة ولكنها ليست مستحيلة خصوصا أن الدستور للدولة كالنوتة الموسيقية التي يقرأ منها العازف الأول وهو رئيس البلاد وتمضي وراءه الفرقة الموسيقية بأدواتها المختلفة وهي بمثابة البرلمان حتي تكتمل معزوفة وطنية قامت علي النوتة والفرقة والمايسترو فترتاح الشعوب وتستقر الحريات وتنتصر العدالة الاجتماعية.
... هذه جولة سريعة في قضايا شائكة رأيت أن أطرحها في تجرد وموضوعية مؤكدا مرة أخري أن أبواب القصر الجمهوري يجب أن تكون مفتوحة لرئيس جديد يعبر عن إرادة الشعب ولا يبتعد عن آماله وأمانيه، ينظر إلي المهمشين من أقباط ونساء وشباب حتي تصل الأجيال الجديدة إلي قاعات قصر الحكم تشارك في صنع القرار السياسي وصياغة المستقبل لا أن يكونوا في مقاعد المتفرجين.. إن مصر لكل أبنائها دون تهميش أو استثناء أو إقصاء.
د. مصطفي الفقي;
جريدة الأهرام العدد 46306
تاريخ النشر: 17 سبتمبر 2013
رابط المقالة: http://www.ahram.org.eg/NewsQ/232311.aspx