لقد بلغ عدد السكان مائة وخمسين مليونا وامتدت الرقعة الزراعية لتتجاوز الثلاثين مليون فدان بعد أن أخذ المصريون بوسائل الرى الحديثة والتقنيات المتطورة فى الزراعة لأنهم جرفوا معظم مساحة «الدلتا» بكتلٍ خرسانية فضلاً عما جرى لتلك المساحة الباقية نتيجة تأثير ظاهرة «النحر» فى شواطئها على البحر المتوسط، لذلك أقاموا بديلاً عن تلك المساحات المفقودة محاور عمرانية على أطراف الصحراء بعد أن تم نزع الألغام منها وإنشاء مجتمعات مكتفية ذاتيًا فى ربوعها، أما «سيناء» فقد جرى تعميرها وفقًا لنظام «المستعمرات» الذى جرى اختباره ونجاحه فى الدول المجاورة فأصبح «وسط سيناء» وحده يحتوى خمسمائة مستعمرة جديدة مستقلة الإمكانات وحولها دوائر زراعية بما يناسب البيئة الصحراوية حيث جرى حفر آلاف الآبار رغم توصيل «مياه النيل» بعد تفعيل حركة المياه فى «ترعة السلام»، وقد نجح المصريون فى إقامة مناطق صناعية على أطراف المدن فى شمال سيناء وبعض المناطق فى جنوبها أيضًا، بينما تفرغت الشواطئ لمراكز الجذب السياحى التى بدأت تستقطب أعدادًا هائلة فى الشتاء والصيف معًا، ولقد بلغت الأرقام الرسمية المنشورة لأعداد السياح فى ديسمبر 2049 نحو 50 مليون سائح موزعين ما بين «المناطق الأثرية» وبالشواطئ الساحلية وبعض «المواقع الصحراوية»، كما نجح المصريون فى إقامة وحدات سياحية متنقلة استجابة لرغبات من يقصدون الصحراء ويعشقون سياحتها وقد بدأ عددهم فى التزايد بشكل ملحوظ كما رصدت الأرقام الدولية هذا العام أن استخدام «مصر» للطاقة الشمسية يأتى فى المرتبة الثانية عالميًا بعد أن تمكن المصريون من استغلال «السطوع الشمسي» فى البلاد لتوفير الجزء الأكبر من حجم الطاقة، أما مشكلة «المياه» فقد نشرت الصحف مؤخرًا أن «مصر» تؤكد تمسكها بحصتها الجديدة من «نهر النيل» والتى تم التوقيع عليها بين «دول الحوض» فى مؤتمر «دول حوض نهر النيل» بالخرطوم ــ عام 2024 ــ بعد أن أقام الأثيوبيون «سد النهضة» وأجروا عليه تعديلاتٍ مشتركة عام 2016 بحيث لا يتأثر حجم المياه الوافدة من الهضبة إلى دولة المصب «مصر»، ولقد عبَّر الإسرائيليون لبعض دول «حوض النيل» فى اتصالات مكثفة عن رغبتهم فى تقديم مشروعات جديدة تتصل بتقنيات «الري» و«الزراعة» لديهم وقبلت بعض الدول بمشروعات المعونة الفنية الإسرائيلية وبدأ حوارٌ معها حول تطلعها للحصول على فائض من مياه النيل بدعوى الاستفادة من جزء من المياه المهدرة عند المصب، وقد اعترض الجانب المصرى فى تلك المباحثات وطالب فى مقابل ذلك بزيادة حصته من «المياه» بنسبة خمسين بالمائة عن حجم ما يصل إليه منها وفقًا للاتفاقية الأخيرة! وبعد أن قرأ الشاب المصرى تلك السطور المتفائلة بدأ فى توجيه عدد من الأسئلة، هذه بعضها :
ماهو النظام السياسى الذى امتلك الإرادة الوطنية ليخرج «بمصر» من عنق الزجاجة ويصل إلى ما تقول؟
لقد تحولت «مصر» إلى ديمقراطية حديثة بالمعنى الحقيقى ولفظت حكم الفرد، بل وابتعد دستورها الجديد عن الأخذ بالنظام «الرئاسي» خصوصًا بعد أن قويت الأحزاب السياسية وأصبحت واضحة المعالم محددة الهوية فاتجهت «مصر» إلى النظام «البرلماني» وأصبح لديها رئيسٌ ذو مسئوليات شرفية فهو يملك ولا يحكم، وقد اختار المصريون إحدى الشخصيات الرصينة من بين شيوخ الوطن الذين يتسمون بالحكمة ويملكون تاريخًا ناصعًا فى خدمة البلاد، فرئيس الجمهورية هو الحكم بين السلطات، أما «رئيس الوزراء» فهو شابٌ يتأرجح عمره بين الخمسين والستين يقود دفة التنمية ويدير شئون الدولة ويخضع لمساءلة برلمانية قاسية تغيَّر بها «الحزب الحاكم» مرتين فى سنوات قليلة، وهو واحد من أقطاب الصناعة وأصحاب الرؤية الاقتصادية المشهود له بالكفاءة والشعبية معًا.
ماهو الدور الإقليمى «لمصر» وكيف تحددت علاقاتها العربية والإفريقية والإسلامية؟
لقد تقدمت «مصر» نحو موقعها الريادى فى الدوائر الثلاث بحكم قوتها الاقتصادية المتصاعدة ومكانتها السياسية المتزايدة وإشعاعها الثقافى المؤثر فأصبح الأزهر الشريف مركزًا للنشاط الدعوى العصرى الذى يؤمن بأن «التفكير فريضة إسلامية» وأن باب «الاجتهاد» لا يغلق أبدًا، كما أن «مصر» قبلت بدورية منصب أمين عام الجامعة العربية خصوصًا وأنها دولة المقر وفقًا لميثاق الجامعة حتى بعد تعديله الأخير عام 2017، وقد استضافت «مصر» منذ سنوات المقر الدائم «منظمة دول حوض النيل» التى تمارس نشاطًا واسعًا على مستوى القارة الإفريقية كلها.
ماهى طبيعة علاقات «مصر» عام 2050 بالقوى الكبرى فى العالم؟
تتمتع «مصر» بعلاقات دولية متوازنة فقد خرجت من عباءة الخوف الدائم والحذر الشديد تجاه القوى الكبرى خصوصًا بعد أن أصبحت عضوًا دائمًا فى «مجلس الأمن الدولي» بالتناوب على االمقعد الأفريقيب وفقًا لتعديل «ميثاق االأمم المتحدة» عام 2028، وقد انفتحت «مصر» على مجموعة العمالقة الآسيويين بعد أن أضحت «الصين» هى الدولة الصناعية الأولى فى العالم، و«اليابان» هى دولة التقدم التكنولوجى الكاسح، بينما تمثل «الهند» النموذج الديمقراطى الذى نجح فى حل المشكلة السكانية ووصل لمرحلة الاكتفاء الذاتي، لقد اكتشف المصريون أخيرًا أن «التحديث» لا يعنى بالضرورة «التغريب» Modernization is not always Westernization
4. كيف حلت «مصر» مشكلاتها الرئيسية فى تطوير التعليم والارتقاء بالعشوائيات وتوفير الخدمات الصحية للملايين المائة والخمسين؟
لقد لجأت مصر للأساليب المتطورة فى العملية التعليمية وافتتحت فى القرى مدارس «الفصل الواحد» بانتشار كبير بين الكفور والنجوع فى استعادة لنمط «الكتاتيب» وتوصلت فى الوقت ذاته إلى نظرية للتعليم الجامعى تجعله مقصورا على من يستحقونه علميًا، واستحدثت مراكز متقدمة لكليات تقوم على «البحث العلمي» هى «مراكز للتميز» الذى يقود قاطرة التقدم فى البلاد، ونجحت الدولة المصرية فى تطوير «العشوائيات» من خلال الإبقاء على معظمها وتطهيره أمنيًا وصحيًا وتوصيل كافة المرافق لها مع إنشاء مركز تدريب حرفى متطور بجانب كل عشوائية، ونجح شبابها بالجهود الذاتية فى تطوير تلك العشوائيات لكى تصبح مكانًا ملائمًا لمعيشة البشر وسكنى الآدميين، ولكن الإنجاز الأكبر هو وصول مشروعات التأمين الصحى إلى الطبقات الفقيرة وإنشاء وحدات صحية حديثة فى ربوع البلاد يكون المهم فيها هو «العلاج الطبي» وسخدمة التمريض دون الاهتمام بالمبانى الرخامية أوالمكاتب الفاخرة، وقد تمكن واحد من علماء «مصر» بالخارج من إنجاح مشروع التأمين الصحى بأسلوب التراكم المادى للأعداد الكثيفة دون تحميل الطبقات الفقيرة بميزانية مرهقة!
5.ماهو دور القوات المسلحة فى الحياة السياسية؟
وقف الجيش المصرى الوطنى كعادته دائمًا ـ حارسًا للشرعية، داعمًا للديمقراطية، يرقب الحياة السياسية دون أن يشارك فيها امتدادًا لتقاليده فى حماية الدولة المدنية والتركيز على الأمن القومى وحراسة حدود الدولة ورعاية مصالحها العليا، إنه الجيش المصرى الذى قاد دائمًا عملية تحديث «مصر» وتطوير الحياة على أرضها.
.. هذه أفكارٌ متناثرة وآمالٌ متفائلة .. إنها أحلام يقظة!
د. مصطفي الفقي;
جريدة الأهرام العدد 46684
تاريخ النشر: 30 سبتمبر 2014
رابط المقالة: http://www.ahram.org.eg/NewsQ/328602.aspx