إنه ذلك الفنان المصرى الراحل الذى كانت له شخصية متفردة وأدوار متميزة، إذ يكفى أن نتذكره فى الفيلم السينمائى الرائع «الزوجة الثانية» لكى ندرك أهمية ذلك الممثل العبقرى وقدراته الكبيرة، ولقد عايشته عدة شهور فى العاصمة البريطانية عندما كان موفداً لعلاج ابنه فى «لندن» على نفقة الدولة وكنت أنا المشرف القنصلى على قسم علاج المواطنين فى الخارج، بينما كان المستشار الطبى هو الدكتور «رشدى الشربينى» – أطال الله فى عمره - وهو شخصية محترمة للغاية وكان مساعده هو المرحوم «عباس شوقى» الذى يعتبر إحدى العلامات المميزة فى تاريخ البعثة المصرية فى «لندن»
وقد كان من مجموعة الفدائيين الذين قادهم الضابط الوزير والسفير الراحل «كمال الدين رفعت» وقد كان «عباس شوقى» متزوجاً من سيدة هولندية عظيمة ولديه عدة بنات وابن واحد عزيز على قلبه، وشخصية «عباس شوقى» بالمناسبة تشبه شخصية المرحوم «على طيره» فى سفارتنا فى «روما» والمرحوم «خطاب لودن» فى سفارتنا فى «فيينا» ففى كل بعثة مصرية كبيرة كان هناك موظف محلى مخضرم يبدو وكأنه هو المؤرخ الحقيقى للزمان والمكان.
نعود الآن إلى ذلك الفنان الذى لا ينسى «صلاح منصور» الذى كنت أجالسه فى مكتبى بعد ساعات العمل فى القنصلية العامة بلندن وأتابع نوادره مع المرحوم «عباس شوقى» اللذين جمعت بينهما الصداقة وخلقت بينهما مشاغبات طريفة لا تكاد تنتهى مع شتاء «لندن» البارد ونهاره القصير، وقد كان «صلاح منصور» يحكى لى عن فترة دراسته بمعهد التمثيل وكيف أنه أوسع الفنان الراحل «شكرى سرحان» علقة ساخنة لأنه اكتشف أن ذلك الفنان الوسيم كان متعلقاً فى صمت بالفنانة الرائعة «فاتن حمامة» سيدة الشاشة العربية!
وعندما زار الرئيس الراحل «أنور السادات» العاصمة البريطانية والتقى بالجالية المصرية فى مقر السفارة طلب الفنان «صلاح منصور» الكلمة وقد كان قريباً من «الرئيس السادات» لأن ذلك الرئيس الراحل كان شديد القرب من أبناء جيله، خصوصاً الأدباء والفنانين والصحفيين بحكم معيشته المتصلة بالشارع المصرى خلال فصله من الخدمة بسبب نشاطه السياسى وقد طلب منه «صلاح منصور» مد فترة بقائه ثلاثة شهور أخرى لاستكمال علاج ابنه فوافق «السادات» شفاهة بلا تردد ونادى على اسم أحد مرافقيه ليقوم بتنفيذ الأمر إلا أن «صلاح منصور» اعترض بطريقته الساخرة والجذابة وطلب من الرئيس أن يوقع على الورقة التى قدمها له قائلاً إنه عندما يبرح الرئيس المكان ويتحرك الركب الرسمى فلا أحد يعرف أحداً، ويذكرنى ذلك بتلك القصة الطريفة التى رواها لى زميلى الصديق العزيز السفير «أحمد والى» عندما كان مرافقاً لوفد ثقافى دينى يزور «الرئيس السادات» فى «استراحة القناطر» ويومها توجه الرئيس الراحل بتحية حارة لفضيلة الشيخ «أبوالمعالى» وهو أزهرى بارز كان شيخاً لمعهد أسيوط الدينى ويبدو أنه كان على صلة قديمة بالرئيس «السادات» حتى إن الشيخ فهم من اللقاء أن الرئيس سوف يلتقيه منفرداً عند نهاية ذلك الاجتماع وقد حاول الشيخ الجليل أن يلحق بركب الرئيس أو يتحدث إليه وظل يردد أن الرئيس قبلنى كما ترون!
ولكن ما من سميع أو مجيب فبخروج الرئيس، أى رئيس، لا أحد يلتفت لغيره ويبدو أن «صلاح منصور» - رحمه الله - كان ملماً بهذه الظاهرة فأبى أن يبرح مكانه دون أن يوقع له الرئيس شخصياً على قرار مد علاج نجله.
تلك هى فصول أتذكرها عن ذلك الفنان الذى رحل عن عالمنا بسرعة خاطفة وأتذكر أنه كان صديقاً عزيزاً عندى لأنه كان مسيساً حتى النخاع، والذين شاهدوه فى دور إمام اليمن يتذكرون أن «الرئيس السلال» - رحمه الله - كان ينهض من مقعده فى قاعة السينما متصوراً أن «الإمام أحمد» قد عاد إلى الحياة.
ولقد كنت أرضى فضولى فى الجلوس إليه يحكى لى عن الفن والفنانين والفنانات، وأنا أستمع إلى عالم عجيب لا يخلو من نوادر وطرائف ومتناقضات!..
رحم الله ذلك الفنان الذى ترك بصمة باقية فى تاريخ السينما المصرية.
جريدة المصري اليوم
16 ديسمبر 2010
https://www.almasryalyoum.com/news/details/50727