ينتمى إلى بيتٍ سورى عريق غادر وطنه فى سن الشباب إلى «ألمانيا»، طلبًا للعلم ثم العمل واقترن بسيدة فاضلة من أصول لبنانية، يعمل شقيقها القانونى الضليع مستشارًا للخارجية السورية، وقد بدأت علاقتى به عندما هبطت مدينة «فيينا» خريف 1995سفيرًا لمصر ومندوبًا دائمًا لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية وباقى مؤسسات منظومة «الأمم المتحدة» فى العاصمة النمساوية، وبعد وصولى بأيام قليلة أبلغتنى السكرتيرة بأن رئيس مجلس إدارة غرفة التجارة العربية النمساوية السيد «نبيل الكزبرى» يطلب موعدًا للترحيب بى، فاستقبلت الرجل فى اليوم التالى بمقر السفارة، ووجدتنى أمام طراز متميز من العرب، شخصية راقية، ثقافة واسعة، أدب جم، شبكة اتصالات بغير حدود، ثقل فى المجتمعين النمساوى والألمانى يجعله محل احترام الجميع.
وقد لفت نظرى أنه، وهو العربى السورى، لا يفرق بين عربىٍ وآخر.. نعم إن ولاءه الأول لوطنه «سوريا» وهو الأساس فهو الذى دبَّر مكان البعثة السورية فى «فيينا» وأسهم فى إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين البلدين، ولكنه فى الوقت ذاته لا يبخل بالنصيحة والمساندة والدعم لأى عربى يقصده ولأى مواطن عربى فى «أوروبا» يشعر أنه بحاجة إلى من يقف إلى جانبه، وهو يملك فى الوقت ذاته شركاتٍ كبرى أهمها ما يتصل منها بتجارة ورق الصحف، ويملك دارًا مضيافة يؤمها السفراء العرب وغيرهم من أبناء الجنسيات الأخرى فيجدون منه البشاشة والترحيب، ولا عجب فعائلته قد أسهمت فى الحياة السياسية والتجارية لبلاده بغض النظر عن مواقف بعض أفرادها الذين قد نختلف معهم ولكننا نقدِّر دورهم، وله فى «مصر» دائرة واسعة من العلاقات الطيبة ومكتبٌ دائم يديره مصرى ديناميكى نابه، ولقد علمت أن مسكن «نبيل الكزبرى» فى «دمشق» كان مجاورًا للمكان الذى أقام فيه الجاسوس الإسرائيلى «إيلى كوهين» الذى تسمّى باسم «كامل ثابت» واخترق جهاز الدولة السورية فى ستينيات القرن الماضى، فوصل إلى مرتبة عالية فى الحزب وبين رجال الحكم إلى أن كشفته المخابرات المصرية من صورة فوتوغرافية وهو مع بعض الساسة السوريين حينذاك الذين تصوروا أن ذلك الجاسوس وطنى سورى عاد إلى بلاده من المهجر ليسهم فى الحياة السياسية والاقتصادية لبلاده، ولقد تمكن ضابط مخابرات مصرى من التعرف عليه من صورة فى صحيفة بفراسة تستحق التقدير، وتم الاتصال الاستخباراتى بالأشقاء فى «سوريا» الذين ألقوا القبض عليه، وجرت محاكمته ثم إعدامه فى أحد ميادين «دمشق»، ولاتزال «إسرائيل» تطالب بجثمانه حتى اليوم، ولم يكن صديقنا العزيز «نبيل الكزبرى» على صلة مباشرة بتلك الشخصية الغامضة ولكنه اكتشف فى النهاية أنه كان يقيم فى نفس المنطقة التى يسكنها فى «دمشق»
إننى أذكر تلك الواقعة لأدلل على عمق العلاقة بين «مصر» و«سوريا» فى الحرب وفى السلام وأيضاً فى اكتشاف الجواسيس! فلقد اندمج الكيانان المصرى والسورى مرة فى القرن التاسع عشر (1831ـ1840) ومرة أخرى فى القرن العشرين (1958ـ1961)، وإننى إذ أتذكر «نبيل الكزبرى» الذى لم أتشرف بلقائه منذ سنوات فإننى أتذكر الخلق العربى السوى والشهامة القومية والتجسيد الحى للعلاقات الأزلية بين «دمشق» و«القاهرة» التى أشاد بها كل من عرف «نبيل الكزبرى» أخًا وصديقًا ومواطنًا عربيًا يعتز به الجميع.
جريدة المصري اليوم
9 ديسمبر 2010
https://www.almasryalyoum.com/news/details/50600