فوجئنا بسمو الشيخ «خليفة» أمير «قطر» السابق يقدم شخصية مصرية مرموقة للوفد الرئاسى المصرى الذى كان يزور «الدوحة» فى أواخر الثمانينيات من القرن الماضى قائلاً (إننا مدينون فى تأسيس جامعة «قطر» لهذا العالم المصرى المتميز) ولاحظت أن الأمير السابق لدولة «قطر» الشقيقة يتعامل مع ذلك الأستاذ الجامعى المصرى بمودةٍ وتقدير وعرفت بعد ذلك أنه الأستاذ الدكتور «إبراهيم كاظم» رحمه الله الذى كان عميدًا لإحدى الكليات العلمية فى جامعة «الأزهر» ثم استقدمته حكومة «قطر» عند بدء التفكير فى إنشاء جامعتها الحديثة، وقد توطدت بينى وبين ذلك العالم الراحل صلات قوية مبعثها إعجابى بعلمه الغزير واحترامى لخلقه الدمث وموسوعيته الثقافية الرحبة التى تستوعب العلوم التطبيقية ودراسات التربية ومناهج البحث وطرائق التدريس فى الجامعات الجديدة.
وقد عرفت منه أن الكاتبة الصحفية الأستاذة «صافيناز كاظم» هى شقيقته الصغرى وتعرفت أيضًا على قرينته العالمة الجليلة الأستاذة الدكتورة «صفاء الأعصر» الأستاذة بجامعة «عين شمس» وقد كان والدها واحدًا من رواد «علم التشريح» فى تاريخ الطب المصرى وله متحف باسمه فى جامعة «الإسكندرية»، والأسرة كلها تتسم بالجدية العلمية والرغبة فى العمل البحثى المنهجى المنظم، وحتى ابنه الدبلوماسى الشاب الدكتور «محمد كاظم» المستشار بوزارة الخارجية والذى نناديه باسم الشهرة (كوزو) لم يضيع فرصة عمله فى العاصمة الإسبانية وحصل على درجة الدكتوراه من هناك إلى جانب اهتماماته الموسيقية وهواياته الثقافية الرفيعة، وقد كنت أداعب العالم الراحل قائلاً إنه من أصل إيرانى وكان الرجل يرد بابتسامة عريضة مؤكدًا أصوله المصرية وجذوره الإسلامية وشخصيته القومية، وقد كان للرجل ملاحظات ثاقبة على التعليم المصرى وأسباب تدهوره وسبل الارتقاء به لذلك كنت أرى فى كبريائه الشخصى واحترامه لذاته نموذجًا يستحق الإكبار، كما كنت أتحدث معه عن أختنا العزيزة شقيقته «صافيناز» وأبدى دهشتى للتعددية فى كتاباتها والتنوع فى ثقافتها والمراحل الفكرية التى اجتازتها والانتماءات العقائدية التى مرَّت بها، وكان شقيقها الكبير يرد بحنوٍ وتفهم لمكانة شقيقته وكتاباتها المثيرة للجدل الداعية للاهتمام ممن يتفقون معها أو يختلفون، ولقد وصلتنى من قرينته الفاضلة والأستاذة الجليلة بعض كتبها الحديثة التى تعد فى ظنى مراجع فريدة فى مناهج البحث وأصول التربية والدراسات الفلسفية، ولا زال زملاء د.إبراهيم كاظم وتلاميذه يذكرون له أفضاله المعروفة وسجاياه الطيبة وقدرته على التحليل العلمى والاستنباط الفكرى.
ويكفى أن أقول إنه كلما كنت ألتقيه وقد كان يحدث ذلك كثيرًا كنت أشعر بانبهار بتلك الشخصية الرائعة ولكن بعد سنوات من العلاقة الوثيقة انقطع اتصاله بى فجأة لعدة أسابيع وأبلغتنى العائلة الكريمة أن المرض اللعين قد داهمه فى أغلى ما يملك فقد هاجمه فى «المخ» وصارع ذلك العالم الجليل المرض ببسالة إلى أن جاءت لحظة ترجَّل فيها الفارس ورحل عن دنيانا ونعاه الناعى علمًا فى تاريخنا الجامعى وعلامة فى مسيرة الجامعات العربية فى وقت تبدو فيه مصر أشد ما تكون حاجةً إلى من ينهض بالعملية التعليمية ويرتقى بها لأن التعليم هو بوابة العصر وهو طريقنا الوحيد إلى المستقبل الذى كان يريده «إبراهيم كاظم» لأجيالنا القادمة.
جريدة المصري اليوم
25 نوفمبر 2010
https://www.almasryalyoum.com/news/details/50383