مدين جيلى من الدبلوماسيين لرائد محترم اسمه «أسامة الباز» ارتبطنا به ارتباطًا قويًا عندما عاد فى أعقاب نكسة يونيو 1967 من دراسته فى «الولايات المتحدة الأمريكية» ليتولى منصب «وكيل معهد الدراسات الدبلوماسية» وأشهد أن ذلك الرجل قد فتح أمامنا آفاقًا رحبة على المستويات المصرية والعربية والدولية، واستقدم لنا صفوة المفكرين والقانونيين والساسة والأدباء، فاختلطنا بالأسماء اللامعة من أمثال «أحمد بهاء الدين» و«لويس عوض» و«كلوفيس مقصود» ثم استقدم لنا أيضًا أستاذًا دوليًا مرموقًا من أصل مصرى يقوم بالتدريس فى «معهد العلاقات الدولية» بـ«جنيف» هو الدكتور «جورج أبى صعب» صاحب الاسم اللامع والمكانة المتميزة فى تخصصه الرفيع فى «القانون الدولى» و«العلاقات الدولية المعاصرة»،
ولقد أفدنا من ذلك العالم الكبير كثيرًا لأننا كنَّا قد تعودنا حينذاك على الاستماع إلى وجهة النظر العربية وحدها، ولم نكن نرى من العالم فى ذلك الوقت إلا ما ينقله الإعلام المصرى أو وجهة النظر الرسمية فجاء «جورج أبى صعب» ليضعنا فى قلب العالم وينقل إلينا وجهات نظر أوروبية وأمريكية فى جميع القضايا المطروحة فى العصر الناصرى. وقد تفتحت أذهاننا من محاضراته القيمة على عالم مختلف وأدركنا أننا لا نعيش وحدنا فى هذه الدنيا وأن هناك وجهات نظر أخرى يجب مناقشتها والحوار معها والاستماع إليها، ثم مضت السنوات وتواصلت مع هذه الشخصية العلمية المرموقة فى مناسبات مختلفة زادها توثقًا وجود صديق مشترك بيننا هو الأخ الكبير السفير «شكرى فؤاد ميخائيل» الذى أحمل له تقديرًا خاصًا منذ عرفته، وكان قد تعرف على الدكتور «جورج أبى صعب» من فترة عمله أثناء تواجده بـ«جنيف» مستشارًا للبعثة المصرية هناك، وقد توطدت الصداقة بينهما وانعكست إيجابيا علىّ شخصيًا بمزيد من التعرف على ذلك الفقيه القانونى المصرى الذى أبلى دورًا وطنيًا رائعًا فى قضية «طابا» وغيرها من القضايا المصرية الدولية التى ترتبط بالمصالح العليا للوطن، على الصعيدين السياسى والاقتصادى، لذلك لم يكن غريبًا أن يكون اسمه ضمن القائمة المصغرة لمرشحى «مصر» لمنصب «القاضى» فى «محكمة العدل الدولية»، وهو الموقع الذى تولاه باقتدار السفير الدكتور «نبيل العربى»، ولقد كان آخر لقاء لى بالدكتور «جورج أبى صعب» عندما دعتنى جمعية خريجى المدارس الفرنسية فى «مصر» لإلقاء محاضرة عامة وفتح حوار مع تلك الشخصيات الفرنكفونية المرموقة وكانت المفاجأة السارة أن وجدت «د.جورج أبى صعب» بين الحاضرين يجلس فى تواضع العلماء فما كان أروع أن يستمع الأستاذ إلى أحد تلاميذه ثم يبدأ الحوار معه فى أستاذية راقية ونقاش هادئ.
ولا عجب فـ«جورج أبى صعب» نموذج لتلك الطيور المهاجرة مبكرًا ولكنها لم تقطع أواصر صلتها بالوطن الأم وظلت على اتصال دائم بجذورها فى أرض الوطن وما أكثر ما رأيته يسعى إلى منزل والدته بأحد شوارع «مصر الجديدة» يتذكر ماضيه ويربطه بحاضره، فلقد عرفت «مصر» دومًا ذلك الخليط الرائع من قوميات الشرق الأوسط وجنسياته وما أكثر الشخصيات المرموقة التى اختلطت فيها الدماء الشامية بالمصرية فأفرزت سبيكة رائعة فى المجالات كافة.
تحية للدكتور «جورج أبى صعب» ذلك القطب القانونى الدولى متمنيًا له الصحة فى ظل شيخوخة آمنة نتطلع إليها جميعًا جزاء ما قدم لوطنه وللمجتمع الدولى كله من إسهامات بناءة ومشاركات قيمة فى ميدانى «القانون» و«العلاقات الدولية» بنزاهة العالم وتجرد الفقيه وعمق المفكر.
جريدة المصري اليوم
4 نوفمبر 2010
https://www.almasryalyoum.com/news/details/202287