أتحرج عند الكتابة عن المسؤولين وهم فى مواقع السلطة ويزداد الحرج عندما يكون المسؤول صديقاً ويتفاقم الأمر عندما يكون هذا المسؤول واحداً من أكبر رموز السلطة القضائية، ولكننى لم أستطع مقاومة الإغراء للكتابة عن شخص أحبه وأحترمه فقد بدأت صداقتنا منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضى واقتربت منه كثيراً وعرفنى الرجل فى السراء والضراء واحتفظنا دائماً بحبال الود وروابط الصداقة وآمنت منذ اليوم الأول بضرورة ترك مسافة يحرص هو على وجودها فيما يتصل بعمله بحكم مواقعه الحساسة فى «نيابة أمن الدولة» ثم «محامياً عاماً» لها ثم «نائباً عاماً مساعداً» إلى أن تحقق الأمل الذى توقعه الجميع بتعيينه «نائباً عاماً» وراءه رصيدٌ كبير من الخبرة وكم هائل من الآراء الصائبة والأفكار المتزنة إلى جانب مصداقية وأمانة عرف بهما منذ بداية المشوار، وعندما تولى منصبه الرفيع آثرت أن أزيد المسافة وأن أتخذ خطوة إلى الوراء احتراماً لموقعه الحساس وخصوصية الدور الذى يقوم به والمشاغل التى تحيطه من كل اتجاه، ولقد ظل هو هو لا يتغير بأدبه الرفيع وهدوئه المعروف وتواضعه الشديد، وعندما دعينا لحضور مناقشة أطروحته للدكتوراه فى كلية الحقوق «جامعة عين شمس» ورأيت الحشد الضخم من رجال الدولة المصرية من كل السلطات آمنت أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً وأن صديقى العزيز الذى أخلص لمهنته واحترم قدسية العدالة دائماً وابتعد عن الهوى فى كل مواقعه ينال الجزاء الأوفى لما قام به على امتداد مسيرة حياته فى النيابة العامة خصوصاً والهيئة القضائية عموماً، وكانت مناقشة رائعة أبلى فيها المشرفان بلاءً طيباً وحاور الممتحنان الدكتوران «عبدالأحد جمال الدين» و«مفيد شهاب» صاحب الرسالة حواراً قانونياً راقياً فى موضوعية وعمق ووقف النائب العام يرد على الاستفسارات والتساؤلات والملاحظات فى دقة واقتدار وهو يرتدى «الروب الجامعى» بعد أن تعود طوال عمره على «روب القضاء» عندما كان يمثل ادعاء نيابة أمن الدولة عبر تاريخه الناصع، ولكن ها هو هذه المرة يمثل الادعاء على الفساد بكل مظاهره فموضوع رسالته الرصينة يدور حول «الاتفاقية الدولية لمحاربة الفساد على المستويين الدولى والوطنى» وقد كان من بين الحضور رئيس «مجلس الشعب» ورئيس «محكمة النقض» ورجال القضاء والنيابة السابقون والحاليون إلى جانب عدد من الوزراء وأساتذة الجامعات ورجال الأمن السياسى والجنائى فى منظومة فريدة لا أظن أنها احتشدت بهذا المستوى لعمل علمى آخر، وينتمى «د.عبدالمجيد محمود» إلى عائلة علمية جادة فوالده الراحل كان رجل قضاء مرموقاً وشقيقه الأكبر عميد أسبق لكلية التجارة «بجامعة عين شمس» وزميل عزيز فى «مجلس الشورى»، ولقد شاهدت السيدة الفاضلة قرينته وشريكة حياته وهى تحتل مقعداً جانبياً خلفه وهى تتلو فى صمت آيات من كتاب الله دعاءً بالتوفيق لرجل تعرفه أكثر منا وتدرك قيمته قبلنا، ويتميز «د.عبدالمجيد محمود» فى ظنى بقدرته على التفكير بصوت عال وكأنه يجادل نفسه وصولاً للحقيقة ورغبة فى استجلاء الأمور وإقرار العدالة التى نذر حياته لخدمتها وتذكرت أن ولى الأمر رئيس البلاد كان يتابع دائماً الخطوات الثابتة لهذا الرجل فى «نيابة أمن الدولة» و«النيابة العامة» وعندما ألمت بـ«د.عبدالمجيد محمود» وعكة صحية طارئة منذ سنوات حرص «الرئيس مبارك» على أن يعوده فى المستشفى ليطمئن بنفسه على صحته وسلامته وقد قابل المستشار«عبدالمجيد محمود» ذلك بمزيد من الإخلاص فى العمل والوفاء للرسالة.
وقد اكتسب منذ توليه منصبه الرفيع احترام الناس وتقدير الرأى العام لنزاهته وصلابته وذكائه لذلك لم يكن غريباً أن أرى الفرحة على كل الوجوه فمازلت أتذكر سهراتنا الثقافية كمجموعة من الشباب من مختلف التخصصات لا يريد منهم أحد شيئاً من الآخر إلا الصداقة والمحبة فكنا نلتقى بنخبة مرموقة من المجتمع بدءاً من وزير العدل الأسبق «أحمد سمير سامى» مروراً بالكاتب الراحل «محمود السعدنى» وصولاً إلى أبسط الناس فى مطعم الأسماك «بدوران شبرا»، لذلك عندما نظرت إلى صديقه ورفيق دربه القاضى الكبير «أحمد ماجد» رئيس «محكمة شمال القاهرة» رأيت سعادة تطل من عينيه تعبيراً عن شعورنا جميعاً نحن الذين عرفنا هذا الرجل وآمنا بقدراته القانونية وخبراته الوظيفية وصفاته الأخلاقية فلا يجب أن يصيبنا أبداً الإحباط أو نستطرد فى جلد الذات مادام لدينا رجال من طراز المستشار «د.عبدالمجيد محمود».
جريدة المصري اليوم
28 أكتوبر 2010
https://www.almasryalyoum.com/news/details/202102