إنه ذلك الصديق العزيز والعالم الرائع، الذى يعتبر الحديث معه متعة والاستماع إليه مبعث سعادة وانبهار، كان مديراً لبنك «تنمية الصادرات»، ثم سعى يضرب فى الأرض بالعمل فى بعض الصناديق التنموية لمنطقة الخليج العربى، بدلاً من أن يلهث وراء المناصب فى وطنه، الذى لم يعرف قدره ولم يعطه حقه إلى أن اختاره أمين عام الأمم المتحدة الأسبق «د.بطرس بطرس غالى» مديراً لمنظمة «الإسكوا» (غرب آسيا للتنمية) فى «عمَّان» ثم فى مقرها الأصلى «بيروت»، و«د.حازم الببلاوى» لمن لا يعرفه هو أستاذ رصين فى مادته العلمية، فيلسوف فى نزعته الإنسانية يميل إلى التعمق فى القضايا والبحث فيما وراء الأسباب، ولا تخلو رؤيته من سخرية المفكرين وتأملات الفلاسفة، تعرَّفت إليه منذ عدة عقود عن طريق صديقنا المشترك الناشر الدولى المهندس «إبراهيم المعلم»، وتعددت لقاءاتنا، إذ كنت أسعى دائماً إليه، لأننى أظن أن الحوار مع «د.حازم الببلاوى» هو نوع من التحريض على التفكير الذكى ومعالجة القضايا بموضوعية وليبرالية وجدية، ولقد نجح منافسوه دائماً ـ بل والحاقدون عليه ممن يشعرون بالتضاؤل أمامه- فى إزاحته عن المواقع المهمة التى كان يستحقها، حيث ترددت شائعات قوية حول ترشيحه لأرفع المناصب ثم جرى إجهاض تلك الترشيحات على الفور، ولم يكن هو بطبيعته ممن يسعون إلى المواقع أو يتطلعون إلى الدرجات الوظيفية العليا، فلديه من قيمته الذاتية وقدراته الشخصية ما يكفيه، وهو يرتبط بالمفكر الإسلامى الكبير السفير «حسين أحمد أمين» بصلة عائلية مباشرة لأنهما متزوجان من شقيقتين فاضلتين، ولقد التقيت الدكتور «حازم الببلاوى» فى «باريس» ذات مرة وظللنا نذرع طريق «الشانزليزيه» ذهاباً وجيئة، وحديثنا المشترك منصب على شؤون الوطن وشجون «مصر»، ومازالت كتابات «د.حازم الببلاوى» تزين الصحف والدوريات الأجنبية والعربية والمصرية، حيث يختتم مقاله غالباً بعبارة «والله أعلم» تطبيقاً للآية الكريمة (وفوق كل ذى علم عليم) وتأكيداً لتواضعه وبساطته واحترامه للرأى الآخر وبعده عن التعصب والتشدد والذاتية.
إن «حازم الببلاوى» قد ترك بصمات واضحة فى كل موقع تولاه وطنياً كان أو دولياً، كما أنه تميز على الدوام بالقدرة على تواصل العطاء والرغبة فى الإضافة الإيجابية لكل من حوله ولا عجب فهو ابن بيت علماً وديناً، وإننى أشعر بالأسى الشديد أن «مصر» لم تستفد بالقدر الكافى من إمكانات رجالٍ من طراز «حازم الببلاوى» و«عمرو محيى الدين» وغيرهما، إنها لعبة الصراعات بين الكبار والتربيطات بين الصغار وسياسة ضرب الكفاءات والإطاحة بأصحاب القدرات!
وللدكتور «حازم الببلاوى» خصائص رائعة، فهو يستطيع أن ينتقد دون أن يجرح، وأن يختلف دون أن يسىء، إلى جانب شخصيته متعددة الجوانب الثرية بالخبرات والتجارب، فقد ضرب الرجل بسهم فى العلوم المالية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية فى آن واحد، بالإضافة إلى حضوره القوى أمام المحافل الدولية وقدرته على التمثيل المشرف لوطنه والوضوح فى بسط قضيته أو طرح رؤاه، إننى أظن مخلصاً أن ظروف «مصر» فى السنوات الأخيرة قد حرمتها من شخصية فى قيمة ومكانة «د.حازم الببلاوى»، ذلك الذى يعتز به وطنه ويتشرف باسمه أصدقاؤه ويحترم مكانته كل من قرأ له أو عنه تقديراً لعطائه وعرفاناً بفضله وتطلعاً إلى إسهاماته فى حياتنا الفكرية وتشريعاتنا الاقتصادية وإجراءاتنا النقدية التى تقف وراءها كلها خلفية علمية وقاعدة نظرية ورصيد من الخبرات العملية التى لا نكاد نجد لها نظيراً فى واقعنا العربى المعاصر.
جريدة المصري اليوم
21 أكتوبر 2010
https://www.almasryalyoum.com/news/details/199228