هو ذلك العالم الجليل الذى جمع الرئاستين فى وقت واحد «رئاسة مجمع اللغة العربية» و«رئاسة المجمع العلمى المصرى» الذى أنشأه «نابليون بونابرت»، إنه ذلك الإنسان الفذ الذى يزحف نحو مئويته فى وعىٍ ورصانة واقتدار إذ تحتفل «مصر» فى يناير2011 بعالمها العظيم وقد بلغ المائة من عمره المديد، إنه فى الأصل أستاذ فى «علم الحشرات» وابن بارٌ لكلية «العلوم» التى يتخرج فيها العلماء والمخترعون، وهو ذلك الأستاذ الجامعى الذى حصد كل جوائز الدولة المصرية وتوجها بجائزة «مبارك» منذ عشر سنوات.
وقد ربطتنى بهذه الشخصية العظيمة صلاتٌ وثيقة فى العقد الأخير حيث تفضل ودعانى منذ سنوات لإلقاء محاضرة أمام «المجمع العلمى المصرى» الذى أتشرف بعضويته وفوجئت به وهو يقدمنى وقد حفظ عن ظهر قلب السيرة الذاتية الخاصة بى مع كل تواريخها وأرقامها دون خطأ واحد! وتعجبت كيف أن العالم الكبير يقدم محاضرًا بهذا السخاء والكرم، وفى ظل ذاكرة «فولاذية» أصابتنى بدهشة شديدة!
وقد قال لى الحاضرون من رفاقه يومها أن ذلك دأبه فى كل ما يقرأ أو يُقرأ له، فهو لا يحتاج بعد ذلك إلى نصٍ أمامه، والرجل قامة أكاديمية باسقة فى تاريخنا العلمى الحديث، ولقد استمعت إليه وهو يلقى خطابه باسم الحاصلين على جوائز الدولة عندما تشرفت به أعلى جائزة فى البلاد منذ سنوات فإذا بالرجل يتحدث بلغة طليقة ولسان عربى فصيح، ويستدعى من تاريخ الوطن وتاريخه الشخصى أحداثًا يذكرها بتفاصيلها وملابساتها، وما من مناسبة مرت بى إلا وكان الرجل يهاتفنى بتواضع العلماء وحنو الآباء وشموخ المفكرين الكبار، إن الأستاذ الدكتور «محمود حافظ» يشارك فى مناسبات كثيرة ويتحرك بين منتديات متعددة ولقد قابلته مؤخرًا بالصدفة البحتة ومعه السيدة الفاضلة قرينته فى مكتب «الشهر العقارى» بنادى «هليوبوليس» فأقبل علىَّ مهللاً ومرحبًا ثم اتصل بيننا حديث طويل لم ينقطع أبدًا على امتداد السنوات العشر الأخيرة، ولقد اكتشفت أن معظم علماء «مصر» ومفكريها يحيطون به ويدورون فى فلكه وهو يكلف هذا بمحاضرة وذاك بكتاب وثالث بمهمة علمية مطلوبة!
إن مئوية «محمود حافظ» يجب أن تكون مناسبة وطنية يتسابق إليها تلاميذه من أنحاء الأرض يكرمون فيها رمزًا رائعًا للإنسان الذى جاهد من أجل العلم والمعرفة وتفانى فى حب الوطن والأرض التى خرج منها، واشتهر طوال حياته بالبساطة الزائدة والتواضع المفرط والبشاشة فى وجوه كل من حوله، إننا يجب أن نتيه على غيرنا بوجود عالمٍ مثل «محمود حافظ» يملك الناحيتين الأكاديمية والأخلاقية وأن نجعله نموذجًا يحتذى للأجيال القادمة، فهو رمزٌ قد لا يتكرر وقيمة عز نظيرها وقل مثيلها فى هذا الزمان، إن «د.محمود حافظ» هو أيضًا امتداد لزمن جميل كانت فيه جامعاتنا قلاعًا للعلم فى المنطقة كلها ومنارات للمعرفة فى العالمين العربى والإسلامى.
ونحن نتطلع إلى نهضة تعليمية تعيد الأمجاد إلى مراكزنا العلمية والبحثية.. فلتكن مئوية هذا العظيم مناسبة نؤكد فيها ضرورة وجود نقلة نوعية فى مؤسساتنا التعليمية ومناراتنا العلمية، فالتعليم هو وحده ركيزة العصر وبوابة المستقبل، أطال الله فى عمر شيخنا الجليل وعالمنا الفذ وقدوتنا الدائمة «د. محمود حافظ».
جريدة المصري اليوم
22 يوليو 2010
https://www.almasryalyoum.com/news/details/213318