هو مفكر سياسى فرنسى معاصر عمل مستشاراً لرئيس وزراء بلاده، وعرفه كل المهتمين بالظاهرة الإسلامية، أو تنامى التداخل بين الدين والسياسة فى العقود الأخيرة، وهو فى ظنى الوريث الطبيعى لــ«جاك بيرك» المستشرق الفرنسى الشهير الذى كان يعرف شوارع القاهرة ودروبها وحاراتها وأزقتها ربما أكثر مما يعرف عن «باريس» عاصمة النور.
ولقد عرفت «جيل كبيل» فى مناسبات كثيرة بدأت عندما قدمته لى الباحثة الذكية «د. دينا أحمد الخواجة» - ابنة نقيب المحامين الأشهر فى نهايات القرن الماضى- باعتباره أستاذها الذى طلب أن يلقانى، وحضر معها إلى مكتبى، وأمضينا وقتاً ممتعاً فى مناقشة جادة حول قضايا التطرف الدينى فى العالم الإسلامى، واعتبار «مصر» حالة تطبيقية كاشفة عن هذه الظاهرة المؤثرة فى حياة الأمة الإسلامية والشعوب العربية.
ولقد توطدت العلاقات بينى وبين ذلك الأكاديمى الفرنسى اللامع حتى فوجئت به يرشحنى لكى أكون المتحدث الرئيس فى الجلسة الافتتاحية لمنتدى «دافوس» الشهير «بسويسرا»، ويبدو أن اتصالاته القوية بذلك المنتدى الدولى الكبير قد جعلت لى وضعاً متميزاً فيه منذ مطلع عام 1995، ويكفى أن الذى كان يقدمنى فى الجلسة الافتتاحية قبل الحديث هو السيد «ريمون بار»، رئيس وزراء فرنسا الأسبق، وكان حديثى يدور حول موضوع «الدين والسياسة فى الشرق الأوسط»
ولقد كان المعقب يومها على ما قلت هو الدبلوماسى الشهير السيد «جواد ظريف»، نائب وزير الخارجية الإيرانى حينذاك، ولقد تعددت قراءاتى لــ«جيل كبيل» ولقاءاتى به فجمعنا الصديق الراحل – الذى لا أنساه أبدا – «د. ناصر الأنصارى» مع «جيل كبيل» فى ندوة كبرى بمعهد العالم العربى فى «باريس»، ويومها كان الحوار ساخناً والمناقشة ممتدة حول أوضاع العالم العربى والتزاوج بين الدين والسياسة وتأثير ذلك على مستقبل العالمين الإسلامى والعربى، ولا زالت أفكار «جيل كبيل» تتطور وكتاباته تتوالى ومواقفه تزداد وضوحا، فهو يمثل بلد الحضارة وعاصمة النور وملتقى المفكرين والمثقفين فى عالمنا المعاصر، وأنا هنا أتذكر مجموعة من الشباب الذين درسوا فى «فرنسا»، وتأثروا بالفكر الاشتراكى أحيانا أو تعلقوا بالنظرية الرأسمالية أحيانا أخرى.
ولقد كان الجيل الأخير ممن أعرف هم مجموعة «د. عمرو الشوبكى» و«نبيل عبدالفتاح» و«ضياء رشوان» و«دينا الخواجة» و«سعيد اللاوندى» وقبلهم أجيال أخرى اتسمت أفكارهم بالرصانة وثقافتهم بالاتساع وعلمهم بالغزارة، ولا زالت المدرسة الفرنسية تقدم لنا الرموز الباقية بدءاً من «رفاعة الطهطاوى» بل «محمد عبده» و«طه حسين» وأيضا «بطرس بطرس غالى» وصولاً إلى آخر المتأثرين بالثقافة اللاتينية والفكر الفرنسى المعاصر، وأنا شخصياً أكرر دائما أن واحدة من نقاط ضعفى الثقافية هى تعلقى بالفكر الفرنسى، وإيمانى بتأثيره القوى على فلسفة الحريات واحترام الفرد وتسييس مفهوم العدالة الاجتماعية، لذلك فإنه لا تفوتنى فرصة لزيارة «باريس» أو الاحتكاك الفكرى مع بعض رموزها إلا وسعيت إليها، و«مصر» فى حد ذاتها نموذج حى لهذه الظاهرة، فهى دولة عضو فى «الفرانكفونية» لمجرد سنوات ثلاث فقط قضتها حملة «نابليون بونابرت» فى «مصر» فأثرت فيها وتأثرت بها، وتركت تراثا ثقافيا لا ينضب.
ويكفى أن حل لغز الحضارة الفرعونية قد جاء على يد فرنسى شهير هو «شامبليون» الذى اكتشف حجر رشيد، فأهدى للإنسانية مفاتيح المعرفة التى غابت عشرات القرون، ويبقى الصديق «جيل كبيل» هو باحث من طراز رفيع يتفق معه البعض ويختلف معه البعض الآخر، ولكن الفريقين - وأنا منهم - يتفقان على قيمته الفكرية ومكانته العلمية وتأثيره الثقافى.
جريدة المصري اليوم
8 يوليو 2010
https://www.almasryalyoum.com/news/details/212502