بداية لا أخفى إعجابى الشديد بهذه الكاتبة المصرية الرائعة، التى حطمت لدىَّ شخصياً تصوراً وهمياً بأن المرأة لا تتخصص فى الفلسفة ولا تُعنى كثيراً بالبحث فيما وراء الأشياء، إلا أن السيدة «سناء البيسى» تبدو أمامى وهى تتأرجح بين الفلسفة والأدب والصحافة والفن، فإذا أردتها جادة فهى كذلك، وإذا شئتها ساخرة فإنها غالبًا ما تكون، وإذا تمنيت أن تكون أديبة كان لك ما أردت، وإذا كنت من عشاق الفن بكل فروعه فهذه الكاتبة الصحفية الملهمة سوف ترضى فضولك وتشبع رغبتك، وقد التفتُّ إليها فى منتصف الثمانينيات، عندما وجدت قلما يختلف عن نظرائه، وسيدة تخترق ما يسمى حاجز «الأدب النسائى»، لكى تكون كاتبة للرجال والنساء معاً، والأجيال كلها بغير تفرقة أو تمييز، ويومها سعيت أنا وزوجتى نلتهم كتبها ونتابع ما تكتب ونحن نحقق المتعة والثقافة فى وقت واحد.
ولقد ظللت مبهورًا بها وسوف أظل مشدوهًا بأسلوبها فى الكتابة، وسوف أبقى كذلك، لأنها تملك موهبة موسوعية وقدرة عظيمة على التحليل النفسى وفهم سلوك البشر، وعندما تكتب عن الأشخاص يخيل إليك أنها عاشت معهم طول العمر وسبرت أغوارهم إلى القاع، فمعرفتها بـ«عبدالوهاب» و«أم كلثوم» مثل معرفتها بـ«أنيس منصور» و«مصطفى أمين» وفهمها للنفس البشرية ونوازعها تتفوق فيه على أحدث المدارس فى «التحليل النفسى»،
ولا عجب، فهى زوجة فنان تشكيلى رفيع القدر، هو الرسام الراحل «كنعان»، الذى جمعته بها حالة نفسية رائعة وجذوة عاطفية متألقة، مكنتهما من التغلب على حواجز لا تخفى على من يعرف الزوجين معاً، وكثيراً ما ترددت على معارض زوجها الراحل فى حياته وبعد مماته، ووجدتها تقف شامخة هى وابنهما تواصل الحياة فى دأب وتدفع الدنيا نحو المستقبل فى إرادة لا تضعف.
وعندما تولت رئاسة تحرير مجلة «نصف الدنيا» أحالتها إلى مجلة كل الدنيا وشدت القراء إلى تلك المطبوعة الأهرامية المتميزة.
وعندما دعانى الصديق العزيز الأستاذ الدكتور «محمد صابر عرب»، رئيس الهيئة العامة للكتاب ودار الكتب، لكى أناقش واحدًا من الكتب المطروحة فى معرض الكتاب عام 2010، لم أتردد فى اختيار كتاب «سناء البيسى» حتى أستمتع بالمزيد من القراءة لها والإفادة منها.
ولقد شاركنى تلك الاحتفالية الصغيرة الأديبة المعروفة «نعم الباز» والكاتب الصحفى «منير عامر» والدكتور «مصطفى عبدالغنى»، رئيس القسم الأدبى فى صحيفة «الأهرام اليومية»، وكان الحوار رائعاً والمناقشة لا تخلو من دفء وعاطفة، حتى إننى فوجئت بـ«ماما نعم» تطلق اعترافاً ترتفع فيه فوق مستوى البشر وتقول إنها كانت تغار من الأستاذة «سناء البيسى» فى مرحلة معينة، ولكنها توقفت عن ذلك عندما أدركت الحقيقة، ولا يخفى علينا أن الكاتبة الصحفية «نعم الباز» قيمة رفيعة فى حياتنا الأدبية على امتداد جيلين كاملين، وأعود إلى صاحبتنا «سناء الوطن» لكى أقول إننى لا أعرف إلا القليل من الرجال والسيدات، الذين ازدادوا تألقاً وبريقاً ولمعاناً بعد سن التقاعد أكثر مما كانوا قبله.
وأظن «متأكدًا» أن الأستاذة «سناء البيسى» هى نموذج لذلك، فصفحتها الأسبوعية الكاملة كل يوم سبت تشد جمهور القراء من كل الأجيال وتخلق حالة من المتعة فى أجواء الكآبة والقلق التى نعيشها، وهى واحدة من الكتاب المعاصرين القلائل، الذين يمكن أن تتعرف على كتاباتهم دون الحاجة إلى ذكر أسمائهم، فلها أسلوبها الخاص وقلمها الرشيق وعبارتها الخلابة.
تحية إلى بنت النيل ونتاج العصر وروحه المتجددة تحية إلى الأديبة والكاتبة والصحفية والفنانة صاحبة الذاكرة الذهبية والعبارة الماسية «سناء البيسى».
جريدة المصري اليوم
6 مايو 2010
https://www.almasryalyoum.com/news/details/206084