هو ذلك الكاتب المسرحى الذى ملأت أعماله الأسماع والأبصار فى مسرح «الستينيات» و«السبعينيات»، وهو المصرى الطيب الذى عرفته عن قرب لسنوات طويلة داخل «مصر» وخارجها، وتيقنت دائمًا من حسه الفنى الفريد ومذاقه الأدبى المتميز وروحه الوطنية الصادقة وحبه للناس وشغفه بالحياة، وعندما رحل عن عالمنا منذ سنوات، وكان قد انسحب من دائرة الضوء قبلها بسنواتٍ أخرى، تملكنى الحزن على رجلٍ تركزت همومه فى سنواته الأخيرة على معاناته الشخصية ومشكلاته الخاصة، فكان يشكو من بعض الجحود ويلح فى امتداد «منحة التفرغ» ويتطلع إلى تكريم أدبى ولو بعضوية «مجلس الشورى» حتى يكون ذلك تتويجًا لتاريخ طويل، وكنت أنا غالبًا ذلك العقل الذى يتواصل معه فكرًا، والقلب الذى يتحمل له همًا وما أكثر لقاءاتى معه وأحاديثنا المشتركة حول اهتماماته، خصوصًا فى سنوات عمره الأخيرة، فقد كان ذلك الكاتب المسرحى اللامع يتوهم أن فى يدى مفاتيح لحل المشكلات ويظن أننى «واصل» إلى المسؤولين مع أنه لا حول لى ولا قوة!
ولكنه كان على الأقل يستريح بالحديث معى والشكوى إلىّ، ويجترّ تاريخه المسرحى ويتذكر مسرح «الستينيات» ولياليه المضيئة، ثم يتذكر أيضًا الرفاق والصحاب من شعراء وأدباء وفنانين، وقد تحملت معه شريكة حياته السيدة «ثريا» معاناة الفنان ولوعة الأديب وخيال الشاعر، فلقد كان «ألفريد فرج» نبتًا طيبًا من أرض الكنانة يثبت أن الموهبة تشق طريقها حتى ولو كان صعبًا، وتعرف مسارها حتى ولو كان وعرًا بغض النظر عن الهوية السياسية أو العقيدة الدينية، ولقد قضى «ألفريد فرج» بعض السنوات الأخيرة من عمره الحافل فى العاصمة البريطانية يتطلع إلى الوطن ويرقب آماله وأحلامه ويعيش شجونه وهمومه، ويتابع التحولات السياسية فى دهشة، والتغيرات الاجتماعية فى قلق، وظل يتواصل مع الرأى العام فى بعض الكتابات فى عطاء متقطع، ولكنه لا يغيب، إلى أن تمكن منه المرض وغيبه الموت ففقدت الحركة المسرحية المصرية واحدًا من أعمدتها الكبيرة، ورمزًا من رموزها الباقية، وهناك قيمة أخرى لـ«ألفريد فرج» ربما لم يلتفت إليها الكثيرون، وهى أن الرجل لم يكن أسيرًا لديانته ولكنه كان متعلقًا بوطنيته وكأنما كان يرسى قبل الأوان مفهوم المواطنة بأكثر معانيها دقة ومعاصرة، فلم يكن ابن الطائفة الدينية، ولكنه كان ابن الوطنية المصرية والامتداد الطبيعى لجيل العمالقة الذى فقدنا الكثير من أركانه، وإذا كنا نقول دائمًا إن المسرح «أبو الفنون» وأقدمها، فإننا نعتبر كتابه روادًا حقيقيين فى الوعى الثقافى والتربية الفكرية.
وكذلك كان «ألفريد فرج» بقيمته وقامته فكثيرًا ما كان يسألنى فى بعض القضايا السياسية والشؤون العامة ولا عجب فقد عكست بعض مسرحياته المستمدة من التراث ترجمة لمعاناة معاصرة مزج فيها «ألفريد فرج» باقتدار بين حكاوى التاريخ وظروف الحاضر ومعطيات الواقع.
إن «ألفريد فرج»، الصديق الراحل والكاتب المسرحى المتميز سوف يبقى علامة مضيئة فى تاريخ المسرح المصرى الذى لم يبدأ مع «بديع خيرى» ولم ينته بـ«على سالم»، بل يظل تعبيرًا أمينًا عن هموم الوطن وشواغل الناس.
رحم الله «ألفريد فرج» بقدر عطائه وطيبته وحسن نيته.
جريدة المصري اليوم
25 فبراير 2010
https://www.almasryalyoum.com/news/details/197585