هى الأستاذة الجامعية المرموقة والوزيرة اللامعة والسفيرة المتألقة، تخرج على يديها أجيال من دارسى القانون الدولى وارتبط اسمها بكتاباتها الرصينة وأبحاثها المعروفة، وقد ربطتنى بها دائمًا علاقة التلميذ بالأستاذة، رغم أننى لست خريجًا لكليات الحقوق، ومازلت أتذكر عندما كنت مسؤولاً عن الشؤون القنصلية بالسفارة المصرية فى «لندن»، أن جاءتنا برقية من مكتب الدكتور «مراد غالب»، وزير الخارجية، يستفسر فيها عن حال ابن الوزيرة «عائشة راتب»، الذى كان موجودًا فى العاصمة البريطانية حينذاك، إنها سيدة راقية الأصل شديدة المراس قوية الشخصية، وعندما كانت سفيرة وتعامل معها عدد من زملائى الدبلوماسيين كانوا يذكرونها بالخير، ومنهم السفير «حسين ضرار»، سفيرنا السابق فى «بيروت»، الذى خدم معها فى العاصمة الدنماركية «كوبنهاجن»، وكذلك الدبلوماسى المفكر والأديب «حسين أمين»، برغم المساجلات الطريفة بينه وبين السفيرة الدكتورة «عائشة راتب»، عندما كان نائبًا لها فى «بون» العاصمة الألمانية السابقة، ولقد جمعتنى بهذه الأستاذة رفيعة القدر مناسبات كثيرة واتصالات مختلفة، فقد نصحتنى بشدة ألا أدخل الانتخابات النيابية، لأن للعمل الميدانى أهله، بينما للفكر والعلم أهلهما أيضًا، ويبدو أننى لم أستمع جيدًا لنصيحتها الغالية، وتجمعنى بها حاليًا عضوية «المجلس الأعلى للثقافة»، الذى تضيف إليه بآرائها المستنيرة وشخصيتها الرصينة، وعندما حصلت على جائفزة الدولة التقديرية فى «العلوم الاجتماعية» مع بداية تسعينيات القرن الماضى لم تتسلم الميدالية والشهادة إلا عام 2008 لأن الحاصلين على جوائز الدولة من «المجلس الأعلى للثقافة» لا تقام لهم احتفالية سنوية يشرفها السيد رئيس الجمهورية أسوة بما هو متبع مع الحاصلين على جوائز الدولة من «أكاديمية البحث العلمى»، وهذا نقص نتطلع إلى تلافيه مستقبلاً للمساواة بين رواد العلم وأعمدة الفكر فى الوطن المصرى، وحين كانت د. «عائشة راتب» وزيرة للشؤون الاجتماعية فى عصر الرئيس «السادات» كانت نموذجًا لحرية الرأى وسلامة القصد ووضوح الرؤية، ولقد احترمها «السادات» مثلما احترم «عبدالناصر» الوزيرة الرائدة «د. حكمت أبوزيد» ومثلما احترم «السادات» و«مبارك» الوزيرة الدكتورة «آمال عثمان»، رئيسة اللجنة التشريعية بمجلس الشعب حاليًا.
ولقد سمعت الكثير عن الدكتورة «عائشة راتب» وفضائلها من الوزير الدكتور «مفيد شهاب» زميلها فى التدريس الجامعى وأيضًا من الراحل الغالى علينا جميعًا الدكتور «صلاح عامر»، الذى غادر الحياة دون استئذان فأدمى القلوب وترك لدى أساتذته وزملائه وتلاميذه جرحًا لا يندمل، ولقد جمعتنى بالوزيرة السفيرة الأستاذة مناسبات مختلفة، منها الحديث المشترك فى بعض البرامج السياسية التليفزيونية، وفى كل مرة يبهرنى علمها وهدوؤها وكبرياؤها، وكلما التقت هذه السيدة الفاضلة بزوجتى طلبت منها بإلحاح أن يتفرغ زوجها للعمل الأكاديمى والفكرى بدلاً من بعثرة الجهود فى عبثٍ سياسى لا طائل من ورائه، بل إنه قد يلوث صاحبه أكثر مما يعطيه.
وكثيرًا ما أنحنى إكبارًا لها وهى تدخل اجتماع «المجلس الأعلى للثقافة» وقد أعيتها تجارب السنين وصروف الزمان ولكنها ظلت على العهد بها أنيقة هادئة شديدة الاحترام، وقد كنت وسوف أظل مقدرًا لمكانتها وتاريخها وأنا أعلم أنها كانت مصدر إعجاب واحترام معظم أبناء جيلها، وأدعو الله لها بطول العمر واستمرار العطاء ودوام المكانة.
جريدة المصري اليوم
4 فبراير 2010
https://www.almasryalyoum.com/news/details/193911