لو لم يكتب إلا رواية «الأرض» لكفته اسماً لامعاً فى سماء الأدب العربى، إنه ذلك المفكر الإسلامى والمثقف اليسارى والشاعر والأديب والروائى والصحفى «عبدالرحمن الشرقاوى» صاحب الرسالة الشهيرة (من أب مصرى إلى الرئيس «ترومان»)، عرفته فى سنوات عمره الأخيرة وتواصلت بينى وبينه الهواتف واللقاءات عندما كان يترأس منظمة التضامن «الأفروآسيوى»، ورأيت فيه حرصاً على المصلحة العليا للقضية التى يدافع عنها وحدة فى الحق وموسوعية فى الثقافة وشمولية فى الرؤية، وقف إلى جانب الرئيس الراحل «السادات» فى معركة تصفية «مراكز القوى» وما سمى «ثورة التصحيح» عام 1971، وربطته به علاقة وثيقة، وكان الرئيس الراحل يكن له احترامًا خاصًا وينزله منزلة متميزة، فلقد عرفه فى سنوات النضال الوطنى من خلال العمل الصحفى قبل الثورة، وقد كان «عبدالرحمن الشرقاوى» مهيب الطلعة ومحل تقدير واضح من الحركة الثقافية فى العالمين العربى والإسلامى، ويكفى أن نتذكر أن رائعته «الأرض» قد جرى ترجمتها إلى عدد كبير من اللغات وكانت نقطة تحول فى نضال المعذبين فى الأرض والمقهورين فى الدنيا أمام قوى الإقطاع والتسلط والاستغلال، وهو أيضاً «عبدالرحمن الشرقاوى» صاحب الجدل الشهير مع الإمام الصوفى الراحل الدكتور «عبدالحليم محمود»، شيخ الأزهر الأسبق، حتى قال له «الشرقاوى» فى النهاية على صفحات مجلة «روزاليوسف»: «لك العتبى حتى ترضى» توقيراً للأزهر واحترامًا لمقام الشيخ ورغبة منه فى توحيد كلمة المسلمين، ولقد لاحظت أيضاً أن الرئيس «مبارك» كان يعطيه نفس التقدير وينزله ذات المكانة فى كل لقاءاته بالمفكرين والمثقفين المصريين.
وقد تميزت قراءة «الشرقاوى» فى التاريخ الإسلامى بعين مختلفة ورؤية جديدة فكان فى كل ما كتب واعياً ومجدداً وأميناً وعندما تولى رئاسة مؤسسة صحفية كبرى هى «روزاليوسف» ومعه الصحفى الراحل «صلاح حافظ»، صاحب المدرسة المعروفة فى العمل الصحفى، قفزت المجلة فى عهدهما قفزات هائلة وتصدرت الصحافة العربية على الإطلاق، وكان من الرموز الشابة فيها آنذاك الكاتب الصحفى الأستاذ «عادل حمودة»، لذلك فإن «الشرقاوى» قد ضرب فى كل اتجاه بسهم وتحولت شخصيته إلى سبيكة رائعة من الفكر الإسلامى والعمق السياسى والرؤية الأدبية والموهبة الشعرية فاستحق بجدارة أن يقف بين الخالدين فى التاريخ الحديث لمصر العربية والإسلامية، وكان له شقيقه الدكتور «عبدالمنعم الشرقاوى» المتميز هو الآخر فى ساحات القضاء والمحاماة بين شيوخ القانون، لأنهما ينتميان إلى بيت طيب ينجب المواهب التى تقدمها «عبدالرحمن الشرقاوى» بلا منازع، وقد أحسن الرجل تعليم أولاده وبناته وكان تركيزه على دراسة الطب استلهاماً منه لحاجة الوطن ورفعاً للمعاناة عن شعبه قدر ما يستطيع، ولايزال ابنه الدكتور «شريف الشرقاوى» اسماً مرموقاً فى عالم طب النساء والولادة والأساليب المستحدثة فى ذلك الفرع الحيوى من فروع الطب المعاصر.
كما لازلت أذكر كلماته الطيبة وشخصيته المتواضعة التى لا يبدو كبرياؤها إلا أمام الكبار، بينما تزداد بساطتها مع الصغار وتلك سمات العظماء فى المعرفة والشخصية والسلوك، ولقد عرف المسرح العربى بعض أعماله الخالدة ومن بينها ما كتبه عن «سيد الشهداء» وطوافه الرائع فى ردهات التاريخ السياسى والثقافى للعرب والمسلمين.
رحم الله «عبدالرحمن الشرقاوى» قامة فكرية عالية ومكانة ثقافية رفيعة فهو صاحب «الأرض»، الذى صعدت روحه إلى «السماء» ذات يوم لتشكو إلى الله هموم البشر ومعاناة الإنسان.
جريدة المصري اليوم
28 يناير 2010
https://www.almasryalyoum.com/news/details/192326