مغرم أنا بالدراسات السلوكية وسبر أغوار النفس البشرية والتعرف علي الناس, في محاولة لفهم شخصياتهم وتحليل تصرفاتهم وتذوق نفسياتهم, ربما بصورة لا تخلو من خيال ولا تبرأ من فضول ولا تهدف إلي غاية خاصة, وهأنذا أدق الباب الخامس والستين من بوابات عمر قلق يسعي نحو الأفضل وحياة مضطربة أرهقها التفكير فيمن حولها, إنني أكتب اليوم أفكارا طرأت علي ذهني ليس لها إلا هدف واحد وهو أن تكون' مصر' مستقرة صاعدة مؤثرة, ولقد أغراني بهذا النمط من التفكير الذي قد يبدو عبثيا ذلك التحريض الفكري الذي بدأه عدد كبير من كتابنا وفي مقدمتهم' الأستاذ' وهو ينظر لمستقبل الوطن ويأطر' لمرحلة انتقالية', وحتي لا تضيع المعاني المتلاحقة في زحام الأفكار المتدفقة فإنني أسجل ـ بعد أن صحوت من حلمي الجميل ـ الملاحظات التالية:
أولا: ليس أثقل علي النفس ولا أبعد عن الذوق من الحديث المتكرر عن خلافة شخص ما وهو لا يزال ملء السمع والبصر بل مؤثرا وفاعلا, وقد يقول البعض إن الشخص العام ملك للناس في حياته ومماته, وأن مستقبل الأوطان يعلو علي حساسية الأفراد, ولكنني أعود فأقول مباشرة إن لذلك الأمر ضوابط يجب الاحتكام إليها والوقوف عندها, خصوصا وأن رئيس البلاد يبدو في أفضل حالات لياقته الصحية والذهنية, والذين تابعوا خطابه الأخير في' المؤتمر السادس للحزب الوطني' يشعرون بذلك ويتبادلون الحديث بارتياح عن هذا المشهد, بل إنني أشعر أيضا بالضيق أحيانا من الثرثرة حول منصب رأس الكنيسة القبطية ـ وهو شخصية فريدة في تاريخ آبائها علي امتداده كله ـ ومع أنهم يتحدثون عن القرعة الدينية والاختيار الإلهي إلا أن الحديث لا يتوقف ـ من أقباط ومسلمين ـ حول القادم الجديد, وقد يثور ذات الأمر بالنسبة لمنصب' الإمام الأكبر' وإن كانت طبيعة تعيينه في المنصب تخرج عن إطار الثرثرة وفوضي التنبؤ العشوائي,
إن ما أريد أن أقوله باختصار هو أن استشراف المستقبل حق للأمم وضرورة للشعوب, والتقليب بين القيادات في جميع المجالات أمر مشروع في كل المجتمعات, ولكن هناك ضوابط للمناصب يحكمها دستور البلاد عند انتخاب رئيسها, ولائحة اختيار' البابا' في الكنيسة القبطية عند اختيار رأسها, وطبيعة التوازنات والملاءمات الدينية والسياسية في تعيين شيخ الأزهر, لهذا فأنا أدعو مخلصا إلي فتح الملفات بالكامل, ولكن مع الاحترام الزائد والحساسية المفرطة تجاه الأحياء, خصوصا إذا كانوا قد قدموا خدمات جليلة للوطن في مواقعهم المختلفة.
ثانيا: إن الرؤساء' نجيب' و'عبد الناصر' و'السادات' و'مبارك' شخصيات تاريخية قد تكون غير قابلة للتكرار بحكم انتمائهم للمؤسسة العسكرية ـ المدرسة الأولي للوطنية المصرية ـ واكتسابهم الشرعية من ثورة يوليو52 وحرب أكتوبر73, لذلك كان من الطبيعي أن يتناسب النظام الرئاسي مع شخصيات بهذا الوزن, ولكن الدنيا تتغير والحياة تتجدد وروح العصر تختلف, لذلك فإن تفتيت مجموعة المشاعر والمخاوف والحقوق والصلاحيات لرئيس الدولة في مصر يحتاج إلي تأمل عميق ونظرة موضوعية, وإذا كنت أسلم بأن' الفرعونية' قد أعطت الحاكم الفرد مهابة وإجلالا زائدين في تاريخنا السياسي ـ لواحدة من أعرق نظم الإدارة وأقدم دول الدنيا علي الإطلاق والتي ربطت بين النهر جغرافيا والمركزية سلطوياـ إلا أنه قد حان الوقت لكي تعيد' مصر' النظر في نظامها السياسي دون الاستسلام الكامل لمفردات النظام الرئاسي التي انتقصت كثيرا من بعض خصائص النظام البرلماني لدينا, ولقد راودني الحلم في ليلة هادئة يلملم فيها الصيف أوراقه وتداعب فيها نسمات الخريف فروع الأشجار تمهيدا لشتاء يطرق الأبواب,
لقد رأيت' مصر' في تلك الليلة تتحول تدريجيا إلي نظام' برلماني' فيه رئيس يملك ولا يحكم, ورئيس وزراء بصلاحيات حقيقية وواسعة يستمد قوتها من حزبه الفائز في الانتخابات البرلمانية النزيهة! ويكون قابلا للانتقاد وسحب الثقة من حكومته وتغييره كلما لاحت في الأفق ضرورة لذلك ـ وقد شرحت وجهة نظري في هذا الشأن من خلال برنامج تلفزيوني شهير في مطلع شهر أكتوبر2009 ـ حيث إنني عشت سنوات شبابي في' بريطانيا' ومنتصف العمر في' الهند' وأنهيت خدمتي الدبلوماسية في'النمسا', وهي دول ثلاث تأخذ بالنظام البرلماني بدرجات متفاوتة, فالملكة في' بريطانيا'' رمز' ورئيس الجمهورية في' الهند'' شخصية تاريخية' دون صلاحيات مؤثرة ولكنه يظل تعبيرا عن وحدة البلاد بما في ذلك إمكانية قدومه من الأقلية, أما في' النمسا' فإن' مستشار الدولة' هو رئيس وزرائها ومنفذ سياستها و'رئيس الجمهورية' هناك هو مجرد حكم بين السلطات عند اللزوم,
وما زلت أتذكر من سنوات عملي هناك أن' رئيس الجمهورية' كان شخصية عادية دون تاريخ سياسي بارز, ولا تفرقة في هذه الحالة عند الاختيار لمنصب الرئيس بين' عسكري سابق' أو'مدني'مشهود له بالكفاءة, إنني أريد أقول هنا بالمناسبة أن أكثر النظم السياسية استقرارا في عالمنا المعاصر هي إما' ملكيات دستورية' أو'جمهوريات برلمانية'.
ثالثا: إنني أري فيما كتبه' الأستاذ' مؤخرا ما يدعوني إلي الاعتراض ـ ربما في إحدي المرات القليلة لذلك, ودون أن ينتقص الأمر من قدره ـ فاختيار مجموعة من الأسماء ترديدا لما نشرته بعض الصحف قبل ذلك هو أمر لا يليق, لأن ذكر مجموعة بعينها هو انتفاء تلقائي لغيرها بمفهوم المخالفة, كذلك فإن الأمر برمته لا يخلو من نظرة حالمة تبدو خارج السياق الدستوري والواقع السياسي تماما, إنها نوع من الرفاهية الفكرية والمتعة الذهنية وإن كانت اجتهادا يحسب له سواء اتفقنا معه أو اختلفنا حوله, كما أن تسميته لوزيرين في الحكومة الحالية هو نوع من' الغزل السياسي' الذي لا مبرر له, وقد يقول قائل إن' الجورنالجي الكبير' كان يهدف من ذكرهما الربط بين القائم والقادم, ولكنني لم أشعر بالارتياح لذلك الاستطراد الذي لم يكن مطلوبا, ولعلي أتذكر مع' الأستاذ' تلك الشخصية المرموقة التي تتمثل في ذلك المصري القدير الذي تولي منصب رئاسة أحد البنوك الوطنية ثم انتقل إلي موقع' الأمين العام المساعد للأمم المتحدة' من مقره في' بيروت',
وهو شخصية تجمع بين التخصص في' العلوم القانونية والاقتصادية والمالية' إلي جانب العمق الفلسفي والرؤية السياسية الواضحة, لذلك فإن ذكر الأسماء قد يكون مصدر نشوة للبعض ولكنه في الوقت ذاته اعتداء علي حقوق محفوظة للآخرين, وليس معني ذلك أننا نغلق باب الاجتهاد أمام المعنيين بالمستقبل المصر,ي بل إننا ندعو إلي ذلك ونلح عليه.
رابعا: إنني عندما تابعت بإعجاب كلمة' أمين السياسات' أمام المؤتمر السادس للحزب الوطني وإلمامه بالتفاصيل الدقيقة لأوضاعنا الاقتصادية وأبعاد احتياجاتنا من السلع والخدمات شعرت بأنني أمام رجل يصلح, ربما مثل غيره, لمنصب' رئيس الوزراء' أيضا ـ دون مصادرة علي حقه في طموح سياسي أكبر متساويا بذلك مع كل المصريين ـ ولكن في ظل احترام الدستور وسيادة القانون ونزاهة الانتخابات, خصوصا وأن وظيفة' رئيس الحكومة' في بلادنا لا تحتاج إلي' كاريزما تاريخية' ولا' شعبية ديماجوجية', وقد يقول قائل: ماهذا الخرف أيها الرجل, كيف يأتي رئيس الحزب لدولة وهو الحزب الحاكم ورئيس الحكومة وهو' أمين السياسات' في ذات الحزب, كيف يأتيان من بيت واحد؟! وهنا لا أجد غضاضة في الدعوة إلي فك التواصل بين المنصبين من خلال تفعيل الوظيفة العازلة بينهما والمتمثلة في منصب' نائب الرئيس' ـ ولدينا شخصيات واكبت النظام الحالي لسنوات طويلة قد تصلح لذلك الموقع ـ شريطة أن نفك الاشتباك التاريخي بين منصب' نائب الرئيس' و'الرئيس القادم',
بحيث يكون هناك توافق عام علي أن' نائب الرئيس' هو معاون أول له دون التزام بخلافته مثلما حدث بعد كل من الرئيسين الراحلين' عبد الناصر' و'السادات'.
خامسا: يعلم الله أنني لا أهدف من هذه السطور إلا إلي طرح بعض الأفكار الموضوعية كما أنني لست جزءا من أجندة معينة ولن أكون إلا' أجندة' الوطن ومصالحه العليا ومستقبله المنتظر, لأنه وطن عظيم رصع سماء التاريخ بإنجازاته الحضارية وهو يستحق أفضل مما هو عليه, وأنا أشارك الملايين همومهم اليومية وأحلامهم بغد مشرق تسود فيه الديمقراطية وتتسع فيه مساحة المشاركة السياسية في ظل برلمان قوي وحكومة ذات رؤية محددة وتفويض شعبي يتناسب مع كل مرحلة, ويجب ألا ننسي أن الدولة الديمقراطية هي في النهاية دولة احترام الدستور وسيادة القانون, وإذا كان لدينا في دستورنا ما يحتاج إلي المراجعة فلا بأس في ذلك ولا عيب منه, فقد عدل الفرنسيون منذ سنوات قليلة مدد الرئاسة بما يتناسب مع روح العصر وطبيعة التغيير, هكذا قال لي وزير خارجية' فرنسا' الأسبق ونحن علي مائدة غذاء بالقاهرة منذ أيام!
... هذا اجتهاد متواضع أدعو الله في نهايته أن يطيل عمر رئيس الدولة لأن كل يوم جديد في حياته هو مساحة زمنية إضافية تمكننا من ترتيب الأوراق وتحديد ملامح المستقبل, خصوصا وأنني أظن أن الرئيس الحالي هو آخر شخصيات' مصر' التاريخية في هذا المنصب الذي نريد له أن يكون موقعا متميزا في ظل نظام برلماني وليس بالضرورة تحت الأضواء الساطعة للنظام الرئاسي وحده.. حمي الله الكنانة وباعد بينها وبين المكاره!
مغرم أنا بالدراسات السلوكية وسبر أغوار النفس البشرية والتعرف علي الناس, في محاولة لفهم شخصياتهم وتحليل تصرفاتهم وتذوق نفسياتهم, ربما بصورة لا تخلو من خيال ولا تبرأ من فضول ولا تهدف إلي غاية خاصة, وهأنذا أدق الباب الخامس والستين من بوابات عمر قلق يسعي نحو الأفضل وحياة مضطربة أرهقها التفكير فيمن حولها, إنني أكتب اليوم أفكارا طرأت علي ذهني ليس لها إلا هدف واحد وهو أن تكون' مصر' مستقرة صاعدة مؤثرة, ولقد أغراني بهذا النمط من التفكير الذي قد يبدو عبثيا ذلك التحريض الفكري الذي بدأه عدد كبير من كتابنا وفي مقدمتهم' الأستاذ' وهو ينظر لمستقبل الوطن ويأطر' لمرحلة انتقالية', وحتي لا تضيع المعاني المتلاحقة في زحام الأفكار المتدفقة فإنني أسجل ـ بعد أن صحوت من حلمي الجميل ـ الملاحظات التالية:
أولا: ليس أثقل علي النفس ولا أبعد عن الذوق من الحديث المتكرر عن خلافة شخص ما وهو لا يزال ملء السمع والبصر بل مؤثرا وفاعلا, وقد يقول البعض إن الشخص العام ملك للناس في حياته ومماته, وأن مستقبل الأوطان يعلو علي حساسية الأفراد, ولكنني أعود فأقول مباشرة إن لذلك الأمر ضوابط يجب الاحتكام إليها والوقوف عندها, خصوصا وأن رئيس البلاد يبدو في أفضل حالات لياقته الصحية والذهنية, والذين تابعوا خطابه الأخير في' المؤتمر السادس للحزب الوطني' يشعرون بذلك ويتبادلون الحديث بارتياح عن هذا المشهد, بل إنني أشعر أيضا بالضيق أحيانا من الثرثرة حول منصب رأس الكنيسة القبطية ـ وهو شخصية فريدة في تاريخ آبائها علي امتداده كله ـ ومع أنهم يتحدثون عن القرعة الدينية والاختيار الإلهي إلا أن الحديث لا يتوقف ـ من أقباط ومسلمين ـ حول القادم الجديد, وقد يثور ذات الأمر بالنسبة لمنصب' الإمام الأكبر' وإن كانت طبيعة تعيينه في المنصب تخرج عن إطار الثرثرة وفوضي التنبؤ العشوائي, إن ما أريد أن أقوله باختصار هو أن استشراف المستقبل حق للأمم وضرورة للشعوب,
والتقليب بين القيادات في جميع المجالات أمر مشروع في كل المجتمعات, ولكن هناك ضوابط للمناصب يحكمها دستور البلاد عند انتخاب رئيسها, ولائحة اختيار' البابا' في الكنيسة القبطية عند اختيار رأسها, وطبيعة التوازنات والملاءمات الدينية والسياسية في تعيين شيخ الأزهر, لهذا فأنا أدعو مخلصا إلي فتح الملفات بالكامل, ولكن مع الاحترام الزائد والحساسية المفرطة تجاه الأحياء, خصوصا إذا كانوا قد قدموا خدمات جليلة للوطن في مواقعهم المختلفة.
ثانيا: إن الرؤساء' نجيب' و'عبد الناصر' و'السادات' و'مبارك' شخصيات تاريخية قد تكون غير قابلة للتكرار بحكم انتمائهم للمؤسسة العسكرية ـ المدرسة الأولي للوطنية المصرية ـ واكتسابهم الشرعية من ثورة يوليو52 وحرب أكتوبر73, لذلك كان من الطبيعي أن يتناسب النظام الرئاسي مع شخصيات بهذا الوزن, ولكن الدنيا تتغير والحياة تتجدد وروح العصر تختلف, لذلك فإن تفتيت مجموعة المشاعر والمخاوف والحقوق والصلاحيات لرئيس الدولة في مصر يحتاج إلي تأمل عميق ونظرة موضوعية, وإذا كنت أسلم بأن' الفرعونية' قد أعطت الحاكم الفرد مهابة وإجلالا زائدين في تاريخنا السياسي ـ لواحدة من أعرق نظم الإدارة وأقدم دول الدنيا علي الإطلاق والتي ربطت بين النهر جغرافيا والمركزية سلطوياـ إلا أنه قد حان الوقت لكي تعيد' مصر' النظر في نظامها السياسي دون الاستسلام الكامل لمفردات النظام الرئاسي التي انتقصت كثيرا من بعض خصائص النظام البرلماني لدينا, ولقد راودني الحلم في ليلة هادئة يلملم فيها الصيف أوراقه وتداعب فيها نسمات الخريف فروع الأشجار تمهيدا لشتاء يطرق الأبواب,
لقد رأيت' مصر' في تلك الليلة تتحول تدريجيا إلي نظام' برلماني' فيه رئيس يملك ولا يحكم, ورئيس وزراء بصلاحيات حقيقية وواسعة يستمد قوتها من حزبه الفائز في الانتخابات البرلمانية النزيهة! ويكون قابلا للانتقاد وسحب الثقة من حكومته وتغييره كلما لاحت في الأفق ضرورة لذلك ـ وقد شرحت وجهة نظري في هذا الشأن من خلال برنامج تلفزيوني شهير في مطلع شهر أكتوبر2009 ـ حيث إنني عشت سنوات شبابي في' بريطانيا' ومنتصف العمر في' الهند' وأنهيت خدمتي الدبلوماسية في'النمسا', وهي دول ثلاث تأخذ بالنظام البرلماني بدرجات متفاوتة, فالملكة في' بريطانيا'' رمز' ورئيس الجمهورية في' الهند'' شخصية تاريخية' دون صلاحيات مؤثرة ولكنه يظل تعبيرا عن وحدة البلاد بما في ذلك إمكانية قدومه من الأقلية, أما في' النمسا' فإن' مستشار الدولة' هو رئيس وزرائها ومنفذ سياستها و'رئيس الجمهورية' هناك هو مجرد حكم بين السلطات عند اللزوم,
وما زلت أتذكر من سنوات عملي هناك أن' رئيس الجمهورية' كان شخصية عادية دون تاريخ سياسي بارز, ولا تفرقة في هذه الحالة عند الاختيار لمنصب الرئيس بين' عسكري سابق' أو'مدني'مشهود له بالكفاءة, إنني أريد أقول هنا بالمناسبة أن أكثر النظم السياسية استقرارا في عالمنا المعاصر هي إما' ملكيات دستورية' أو'جمهوريات برلمانية'.
ثالثا: إنني أري فيما كتبه' الأستاذ' مؤخرا ما يدعوني إلي الاعتراض ـ ربما في إحدي المرات القليلة لذلك, ودون أن ينتقص الأمر من قدره ـ فاختيار مجموعة من الأسماء ترديدا لما نشرته بعض الصحف قبل ذلك هو أمر لا يليق, لأن ذكر مجموعة بعينها هو انتفاء تلقائي لغيرها بمفهوم المخالفة, كذلك فإن الأمر برمته لا يخلو من نظرة حالمة تبدو خارج السياق الدستوري والواقع السياسي تماما, إنها نوع من الرفاهية الفكرية والمتعة الذهنية وإن كانت اجتهادا يحسب له سواء اتفقنا معه أو اختلفنا حوله, كما أن تسميته لوزيرين في الحكومة الحالية هو نوع من' الغزل السياسي' الذي لا مبرر له, وقد يقول قائل إن' الجورنالجي الكبير' كان يهدف من ذكرهما الربط بين القائم والقادم, ولكنني لم أشعر بالارتياح لذلك الاستطراد الذي لم يكن مطلوبا,
ولعلي أتذكر مع' الأستاذ' تلك الشخصية المرموقة التي تتمثل في ذلك المصري القدير الذي تولي منصب رئاسة أحد البنوك الوطنية ثم انتقل إلي موقع' الأمين العام المساعد للأمم المتحدة' من مقره في' بيروت', وهو شخصية تجمع بين التخصص في' العلوم القانونية والاقتصادية والمالية' إلي جانب العمق الفلسفي والرؤية السياسية الواضحة, لذلك فإن ذكر الأسماء قد يكون مصدر نشوة للبعض ولكنه في الوقت ذاته اعتداء علي حقوق محفوظة للآخرين, وليس معني ذلك أننا نغلق باب الاجتهاد أمام المعنيين بالمستقبل المصر,ي بل إننا ندعو إلي ذلك ونلح عليه.
رابعا: إنني عندما تابعت بإعجاب كلمة' أمين السياسات' أمام المؤتمر السادس للحزب الوطني وإلمامه بالتفاصيل الدقيقة لأوضاعنا الاقتصادية وأبعاد احتياجاتنا من السلع والخدمات شعرت بأنني أمام رجل يصلح, ربما مثل غيره, لمنصب' رئيس الوزراء' أيضا ـ دون مصادرة علي حقه في طموح سياسي أكبر متساويا بذلك مع كل المصريين ـ ولكن في ظل احترام الدستور وسيادة القانون ونزاهة الانتخابات, خصوصا وأن وظيفة' رئيس الحكومة' في بلادنا لا تحتاج إلي' كاريزما تاريخية' ولا' شعبية ديماجوجية', وقد يقول قائل: ماهذا الخرف أيها الرجل, كيف يأتي رئيس الحزب لدولة وهو الحزب الحاكم ورئيس الحكومة وهو' أمين السياسات' في ذات الحزب, كيف يأتيان من بيت واحد؟! وهنا لا أجد غضاضة في الدعوة إلي فك التواصل بين المنصبين من خلال تفعيل الوظيفة العازلة بينهما والمتمثلة في منصب' نائب الرئيس' ـ ولدينا شخصيات واكبت النظام الحالي لسنوات طويلة
قد تصلح لذلك الموقع ـ شريطة أن نفك الاشتباك التاريخي بين منصب' نائب الرئيس' و'الرئيس القادم', بحيث يكون هناك توافق عام علي أن' نائب الرئيس' هو معاون أول له دون التزام بخلافته مثلما حدث بعد كل من الرئيسين الراحلين' عبد الناصر' و'السادات'.
خامسا: يعلم الله أنني لا أهدف من هذه السطور إلا إلي طرح بعض الأفكار الموضوعية كما أنني لست جزءا من أجندة معينة ولن أكون إلا' أجندة' الوطن ومصالحه العليا ومستقبله المنتظر, لأنه وطن عظيم رصع سماء التاريخ بإنجازاته الحضارية وهو يستحق أفضل مما هو عليه, وأنا أشارك الملايين همومهم اليومية وأحلامهم بغد مشرق تسود فيه الديمقراطية وتتسع فيه مساحة المشاركة السياسية في ظل برلمان قوي وحكومة ذات رؤية محددة وتفويض شعبي يتناسب مع كل مرحلة, ويجب ألا ننسي أن الدولة الديمقراطية هي في النهاية دولة احترام الدستور وسيادة القانون, وإذا كان لدينا في دستورنا ما يحتاج إلي المراجعة فلا بأس في ذلك ولا عيب منه, فقد عدل الفرنسيون منذ سنوات قليلة مدد الرئاسة بما يتناسب مع روح العصر وطبيعة التغيير, هكذا قال لي وزير خارجية' فرنسا' الأسبق ونحن علي مائدة غذاء بالقاهرة منذ أيام!
هذا اجتهاد متواضع أدعو الله في نهايته أن يطيل عمر رئيس الدولة لأن كل يوم جديد في حياته هو مساحة زمنية إضافية تمكننا من ترتيب الأوراق وتحديد ملامح المستقبل, خصوصا وأنني أظن أن الرئيس الحالي هو آخر شخصيات' مصر' التاريخية في هذا المنصب الذي نريد له أن يكون موقعا متميزا في ظل نظام برلماني وليس بالضرورة تحت الأضواء الساطعة للنظام الرئاسي وحده.. حمي الله الكنانة وباعد بينها وبين المكاره!
جريدة الأهرام
http://www.ahram.org.eg/Archive/2009/11/17/OPIN1.HTM