استقبل الإنسان المصري الزمان العصري في حوار متصل حول أهم القضايا وأمهات المسائل وقد تطلع الإنسان الي الزمان موجها سؤالا محددا إليه حيث بادره بقوله( أيها الزمان لقد تعودنا من دروس التاريخ أنه لا يوجد من هو فوق المساءلة وأن العصمة للأنبياء وحدهم وحتي هؤلاء كان هناك من اختلف معهم لذلك فإن الله سبحانه وتعالي هو وحده الذي فوق أي مساءلة ولله المثل الأعلي ولا يسأله العباد إلا طلبا لرحمة أو سعيا إلي مغفرة, أما البشر فيمكن الاختلاف معهم وتوجيه الانتقاد اليهم إلا الطغاة والبغاة وصانعي الديكتاتوريات! لهذا فإنني أسالك هل مخاطبة الرموز في إطار القيم السائدة والأخلاق المتعارف عليها هي أمور مرفوضة أو غير مقبولة ؟), فتفرس الزمان في وجه الإنسان وقال له( إنكم تنتمون في مصر لسلالة فرعونية تقدس الفرد وتصنع مسافة طويلة بين الحاكم والمحكوم, بل إن الأمر يتجاوز ذلك, فالرموز السياسية المرتبطة بالسلطة والرموز المالية المرتبطة بالثروة والرموز الروحية المرتبطة بالدين تبدو لديكم محرمات لا تحسنون التعامل معها وتقفون دائما موقف التهويل من شأنها أو التهوين من قدرها فإما صمت كامل وقهر طويل أو تجاوز مفاجيء وتطاول لا مبرر له.
والرأي عندي هو أن الأمر يختلف عن هذين النقيضين, فالحاكم مسئول والثري لا يعفي من المساءلة ورجل الدين ليس معصوما من خطأ, وقد حان الوقت لكي تفتح الأبواب والنوافذ ليتجدد الهواء وتنتعش الحياة ويسود الاستقرار الحقيقي, وهنا أستأذنه, الإنسان في أي يضيف( إن لدينا في هذه الأيام حملة علي شيخ الأزهر كما أن الصحافة المصرية حافلة بانتقادات موجهة إلي الكنيسة القبطية من أتباعها قبل غيرهم, كما أن السلطة في كل مستوياتها تتعرض لانتقاد صحفي ضار يستهدف القمم والرموز علي حد سواء, فما هو توصيفكم لما يحدث ورأيكم فيما يجري؟), فأجاب الزمان قائلا( إن حالكم لا يسر أحدا وأوضاعكم مقلقة, فلقد علمت أمس فقط أن أحد رجال الأعمال الأقباط ينشيء ناديا اجتماعيا تقتصر عضويته علي الأقباط الأرثوذكس, وحدهم وهذا أمر خارج تماما عن سياق التفكير القبطي عبر التاريخ والذي فتح مدارسه ومؤسساته للمصريين دائما بلا تفرقة دينية, فنحن يمكن أن نتصور أن يكون هناك نواد مغلقة للأرمن مثلا أو اليونانيين أو غيرهم فهذه طوائف وافدة علي مصر, وحتي هؤلاء يسعون للانفتاح والاندماج أيضا في الوطن الواحد فما بالك بالمصريين ــ مسلمين وأقباطا ــ وهم نسيج هذا الوطن ونتاج أرضه منذ آلاف السنين فكيف يأتي من يشق الصف ويعبث بالوحدة الوطنية, وكيف يتم ذلك في وقت يطالب فيه عقلاء المسلمين بإعمال مبدأ المواطنة كاملا حتي في الالتحاق بجامعة الأزهر للتخلص من عقبة التمييز الديني في وطن أراده الله متحدا متجانسا منذ فجر التاريخ ؟.
إنكم أيها المصريون محتاجون إلي عودة الوعي الحقيقي للتخلص من السقطات التي يقع فيها بعضكم, ولابد لكم من نبذ روح التعصب وإنهاء كل أشكال التمييز بين أبناء الوطن الواحد خصوصا, وأنكم أرتضيتم ذلك في صدر تعديلاتكم الدستورية الاخيرة, أما عن الرموز ـ أيها الانسان ـ فهي تستمد قيمتها من تفاعل الناس معها واحترامهم لها ولا توجد قداسة مطلقة ولا عصمة مفتوحة لمخلوق علي هذه الأرض, ألم تتحدثوا كثيرا عن الحريات وعن تفعيل الديمقراطية وعن الأخذ بأركان الدولة العصرية.. نعم إن الازهر تناقش أموره بكل حرية في إطار من الاحترام الذي يليق بهذه المؤسسة العريقة التي تكاد تفقد جزءا من تألقهاالتاريخي ورونقها الروحي لأسباب لا تتصل بالمؤسسة ذاتها وجوهر الدعوة من خلالها ولكن يرجع السبب في ذلك الي بعض القائمين عليها, وأنا أتمني لكم أيها المصريون أن تتفوق لديكم المؤسسة علي الفرد دائما.
أما الكنيسة القبطية فالحوار معها مطلوب ولكن في إطار التوقير اللازم والوحدة الوطنية الراسخة, أما رموز السلطة يا بني فأنتم تتحدثون عنها بلا حدود ولم يعد هناك سقف لانتقادها, ولكني أذكركم فقط بأن هذا أمر يحسب لها وليس مأخذا عليها, أرجو أن تكون قد فهمت أيها الإنسان المصري ما جاء في هذه السطور وما وراءها أيضا!) عندئذ يتطلع الإنسان إلي الزمان في احترام شديد لمقولته معجبا بحكمته التي اكتسبها الزمان من تعاقب العصور وتراكم الحقب واستأنف تعليقه قائلا( إن أمير الشعراء خاطب أباالهول يوما قائلا أبا الهول طال عليك العصر وبلغت في الارض أقصي العمر وهذا الشاهد علي الأزمنة التي مرت عليه نقل تراث الفراعنة إلي أحفادهم, فأصبح لدينا تقاليد مرعية تعلي من شأن الفرد صاحب الموقع المتميز سياسيا أو اقتصاديا أو ثقافيا أو روحيا بينما الفرد العادي مسحوق مطحون مقهور.
فإلي متي يا سيدي سوف نظل في هذه المنطقة من العالم أسري لهذا النمط من التفكير ومتي نخرج من شرنقة التراث الجامد الذي يعطل مسيرتنا ويقطع طريقنا ويوقف تقدمنا, ألم يحن الوقت لظهور قيم جديدة وتقاليد عصرية وأفكار حديثة تختصر المسافة بين الحاكم والمحكوم وتزيل الشك بين من يملكون ومن لا يملكون وتزرع الثقة بين القمة والقاع وتضع رجل الدين في مكانه الطبيعي بلا ضبابية ودون أوهام, أظن أن الوقت حان ولم يعد في العصر متسع لسيادة الغيبوبة وشيوع الخرافة وغياب العقل), حينئذ ابتسم الزمان وقال( لقد بدأت تضع قدميك علي الطريق الصحيح فمصر تستحق أفضل بكثير مما هي عليه الآن, وللأزهر مكانة تعلو أيضا صورته الراهنة, كما أن الكنيسة القبطية تحتاج إلي درجة من التوحد الذي عاشت به دائما واعتمدت عليه عبر التاريخ.. فليكن لقاؤنا القادم علي ضفاف النيل غير بعيد عن مبني وزارة الخارجية المصرية وجامعة الدول العربية لعلنا نقول شيئا عن الدور المصري الذي كثر الحديث حوله ولم يفهم الكثيرون أبعاده!).
جريدة الأهرام
http://www.ahram.org.eg/Archive/2007/10/30/WRIT1.HTM