كلما قرأت الصحف المستقلة وصحف المعارضة تملكني إحساس بالخوف علي مستقبل الوطن وشعرت وكأن مصر تتجه نحو الهاوية, وإذا ما استمعت إلي المسئولين الرسميين ووضعوا أمامي بيانات محددة بما يدور شعرت بأن ما قرأته في تلك الصحف يحتوي علي مبالغة شديدة وانحياز واضح ـ في كثير مما تنشره ـ ضد الحقيقة بل وأيقنت أن التجاوزات الصحفية لم تعد في خدمة المصالح العليا للوطن ولكن جري توظيفها لغايات مطلوبة لجماعات سياسية بعينها, لذلك استغرقت في تفكير مستمر وتأمل دائم للتمييز بين اتجاهين متعارضين إلي حد كبير, أحدهما يعطي صورة سوداء قاتمة لمستقبل الوطن, بينما يعطي الآخر صورة وردية متفائلة للغد القادم, ولقد آمنت بأن الشفافية وحدها هي وسيلتنا لاستكشاف الطريق الصحيح لهذا الوطن العريق الذي يقع في قلب أمته العربية وينظر إليه الجميع حاليا في قلق كما يتحدث البعض عن تراجع دوره الإقليمي, ويتخذ البعض الآخر من الانتخابات الموريتانية الأخيرة نموذجا جديدا لاتلحق به معظم الدول العربية ومنها مصر, والأمر هنا يحتاج إلي مزيد من التفاصيل أوردها فيما يلي:
أولا: لست أدعي أن مصر في أحسن أوضاعها أو أزهي عصورها, بل إنني أزعم انها تستحق ما هو أفضل بكثير مما هي عليه, كما أجازف وأقول إن العهد الحالي كان مرشحا لما هو أبعد مما بلغناه, ولكن عقبات كثيرة اعترضت طريقه فانتقص الإرهاب من حجم الديمقراطية واقتطع الفساد من عائد التنمية, وأنا أشهد هنا ـ من سنوات عملي بالقرب من رئيس الدولة ـ أنه سعي جادا ومخلصا للإصلاح الحقيقي والمصالحة الوطنية الشاملة ولكن الرياح كانت شديدة والاعاصير عاتية والنفوس مليئة بمظاهر الانحراف والتطرف وعبادة الذات, فضلا عن رواسب الماضي الطويل.
ثانيا: إنني لا أنكر ـ ولم أتعود في حياتي أن أنكر شمسا ساطعة ـ أن الفساد قد استوطن في بعض أجهزة الدولة وعششت خفافيشه في جحور الإدارة المصرية وعلي نحو يحتاج إلي علاج عاجل وإجراء صارم يعيد الأمور إلي ما يجب أن تكون عليه صيانة لهذا الوطن وإنقاذا لمستقبل أجياله, وهنا أقول.. لا ألف مرة للزواج الباطل بين الثروة وبعض عناصر الإدارة ومواقع السلطة, لأن هذه أمور تحجب الشفافية وتضرب حقوق الأجيال الصاعدة في مقتل دون مراعاة لوجدان الشعب وضمير الوطن.
ثالثا: إن إقحام الدين في الحياة السياسية جريمة كبري استهدفت القيم العليا والمكانة الروحية للدين وذلك لصالح أغراض فئوية وأطماع سلطوية تحاول أن ترتدي ثوب الإسلام وتلتف بعباءته وتتغطي بعمامته, بينما الإسلام أرفع وأرقي وأعظم من أن يجري الزج به في الصراعات السياسية والمشكلات اليومية علي نحو يؤدي إلي تقسيم الأمة وتمزيق أوصال الوطن في ظل شعارات مضللة وتخفي وراءها تجمعا مغلقا ماسوني الطابع, أحادي التوجه, انفرادي النزعة لايقبل إلا ذاته ولا يعترف بسواه, وهنا أقول لا الف مرة للاشتباك القائم بين الدين والسياسة. وأطالب بعملية إصلاح عاجلة تضع الإسلام في عليائه, نتطلع إليه ونسعي نحو تعاليمه مثلما كنا عبر القرون بدلا من الغلو والقوقعة والانزواء علي نحو استجلب لنا عداء الدنيا واستعدي علينا جحافل الغرب المزدوج المعايير الذي يكيل بمكيالين في عنصرية واستهداف وهيمنة وتسلط.
رابعا: إنني اقصد بطريق الأمل الذي جعلته عنوانا لهذا المقال تأكيد رفضي ـ مثلما هو رفض الأغلبية الساحقة من أبناء هذا الشعب ـ للظاهرتين معا, ظاهرة التزاوج بين السلطة والثروة التي أدت إلي فساد الإدارة والإضرار بالاقتصاد القومي وظاهرة استغلال الدين غطاء لجماعات سياسية لا تؤمن بمفهوم المواطنة الحقيقية ولا تعترف بالآخر وتنتقي من النصوص والشعارات ما يخدم أهدافها ويستر أغراضها ويسمح لها بالسيطرة علي عقول الأجيال الجديدة لتخريب الشخصية المصرية والعبث بمكانتها العريقة ودورها التاريخي في المنطقة كلها.
خامسا: إنني أريد وبكل صدق أن أقول لأولئك الذين يلعبون بالنار علي الجانبين أن مصر يجب أن تمضي في طريقها الصحيح بالانتقال السلمي إلي الديمقراطية الحقيقية والتمكين للتنمية المستدامة ورفع مستوي الإنسان باحترام حقوقه وكفالة الضمانات الراعية لكرامته وتكريس سيادة القانون والتبشير بالدولة العصرية الحديثة التي يقف فيها الدين والمال علي مسافة بعيدة من القرار السياسي, شريطة أن يكون هناك حزم فاعل في مواجهة الفساد بكل أنواعه مع تأكيد مفهوم المشاركة السياسية وتوسيع دائرة صنع القرار بحيث تصبح المؤسسة أقوي من الفرد دائما وليس العكس أبدا, وهنا أظن أن هذه أمور لاتبدو صعبة علي هذا البلد المعطاء الذي يملك قدرات بشرية هائلة وكفاءات نادرة وعقولا متميزة.
.. إيها السيدات والسادة من أبناء أمتنا الواحدة
.. إن مصر تمر بمنعطف خطير وتواجه صعوبات جمة وتحديات غير مسبوقة تقتضي منا جميعا الارتفاع فوق الانتماءات السياسية والولاءات الحزبية والأهواء الشخصية وتدعونا إلي المضي في طريق الليبرالية الوطنية التي تربط الحرية بالمواطنة والتنمية بالإنسان حتي تتهيأ بهما مصر علي طريق الدولة العصرية الحديثة التي تحمل مقومات الحداثة والمعاصرة وتتفاعل مع المستويين الدولي والإقليمي في ذكاء وحكمة واقتدار, إننا نريدها دولة مدنية تختفي منها الشعارات الدينية والرشاوي الانتخابية والآلاعيب الحزبية, بحيث يصبح الحديث عن تداول السلطة ممكنا وحدوث دوران النخبة محتملا فقد تحركت الدنيا حولنا وسبقتنا شعوب كانت بعدنا, ومن غير المقبول أن نرضي بهذه النتائج أو نتعود علي هذه الأوضاع, فما أكثر ما نامت مصر ثم قامت, وما أطول ما غابت روحها ولكن ما أشدها حين عادت, إننا نريد التغيير سلميا والتحول مدنيا, فالإصلاح من الداخل هو الوسيلة الأساسية لشعوب المنطقة وفي مقدمتها مصر حتي تتمكن الفئات المهمشة والقطاعات المقهورة من أن تجد مكانا لها بدلا من أن يأتي يوم ــ لانريده أبدا ـ يزحف فيه سكان العشوائيات طلبا للحد الأدني من كفالة الحياة, إنني لا أخت
تم حديثي هذا دون أن أقول لا للجماعات الدينية ولا للانحرافات الإدارية ولا للضغوط الطبقية ولا للسياسات القمعية, فمصر بلد طيب يمكن له أن يعود من جديد منبرا للتنوير ونموذجا للحداثة في بحر الظلمات.. إنها رسالة مواطن عربي تجرد في ما يكتب من كل شيء إلا مصلحة وطنه ورفعة شعبه وكرامة أمته.
جريدة الأهرام
http://www.ahram.org.eg/Archive/2007/4/3/WRIT1.HTM