تثير قضية الإصلاح الدستوري عددا من القضايا الحيوية تدور حولها أحاديث الناس في مجالسهم الخاصة وثرثراتهم الشتوية وسوف أجازف بالتطرق إلي هذه الموضوعات معتمدا علي حكمة الرئيس وصبره أمام مساحة الحرية الحالية علي نحو يغري بالاتجاه نحو مطابقة الحديث العام مع اللغو الخاص, وسوف أعالج في السطور الآتية أربع قضايا اثنتان يتصلان بما هو موجود بالفعل في الدستور الحالي, واثنتان نريد لهما أن يجدا في التعديلات الدستورية المنتظرة مكانا ملائما. وبالمناسبة فإنني أقرر هنا أن دستور1971 قد أعطي جانب الحريات العامة ـ من الناحية النظرية علي الأقل ـ مساحة نعتز بها لذلك لا يتصور البعض أننا نبدأ من فراغ أو يتوهم أن لدينا أزمة نصوص, بل الأزمة الحقيقية تتجسد في المناخ السائد والبيئة المحيطة ونعود الآن إلي القضايا الأربع فنطرحها بالترتيب التالي:-
العمال والفلاحون
إنها مسألة شديدة الحساسية لأنها تتعلق بحقوق مكتسبة لفئتين يمثلان عصب التنمية ورصيد الديمقراطية ولقد اختصهما الدستور المصري بنسبة خمسين في المائة علي الأقل من مقاعد المجالس المنتخبة, ولا بأس في ذلك ولكن الذي يحيرني ويحير غيري هو أن الذين يفدون إلي البرلمان تحت هذا المسمي لم يعودوا عمالا ولا فلاحين ويكفي أن يعلم القاريء أن مجلس الشعب الحالي يضم عشرات من الضباط والمهندسين ورجال الأعمال وغيرهم بينما تصنيفهم الفئوي أنهم فلاحون أو عمال. إن الذي أريده باختصار هو أن يتطابق القول مع الفعل وأن يكون تمثيل العمال والفلاحين تمثيلا حقيقيا وهو أمر لا أراه قائما في مجالسنا النيابية أو الشعبية واضعا في الاعتبار أن المفهوم التقليدي للعامل والفلاح في الستينيات من القرن الماضي لم يعد هو ذاته الذي نتعامل معه الآن. والأصل في الحياة السياسية أن يكون النص تجسيدا للواقع وليس العكس فإما أن نسمي الأمور بمسمياتها الصحيحة أو نعترف بأن التجربة في حاجة إلي ترشيد دون المساس بحقوق مكتسبة لفئات معينة. خصوصا وأن الكل يجادل في هذا الأمر ولا أحد يستطيع أن يتقدم في شجاعة لإصلاح هذا الخلل رغم أن الأغلب الأعم منا قد خرج من بيوت الفلاحين والعمال!
مجانية التعليم
إنها مسألة شائكة أخري لها بريق يستهوي القلوب ويشد العقول لأنها ترجمة للشعار التاريخي الذي رفعه عميد الأدب العربي د.' طه حسين' قبل ثورة' يوليو' عندما قال' إن التعليم يجب أن يكون كالماء والهواء'. ولا شك أن مجانية التعليم هي إحدي الإيجابيات التاريخية للعصر الناصري ولكنني أتساءل الآن أين هي؟ هل هي مليارات الجنيهات المصرية التي تصب في جيوب من يعطون الدروس الخصوصية ويرهقون ميزانية الأسر المتوسطة والفقيرة؟ هل هي التعليم الخاص الذي أصبح ملاذا للقادرين عليه والهاربين من تدهور العملية التعليمية. أليس الأجدي بنا أن نملك الشجاعة ونقرر المجانية لجميع المصريين والمصريات في مراحل التعليم الأولي ثم نبدأ في إدخال التكلفة الفعلية ـ ولو مدعومة نسبيا من الدولة ـ في مراحل التعليم التالية مع استثناء للربع المتفوق في قوائم الطلاب خصوصا في التعليم الجامعي الذي أصبح يخرج سنويا مئات الآلاف من طوابير العاطلين بلا تعليم حقيقي ولا كفاءة ظاهرة ولا خبرة متراكمة حتي أصبحت الشهادة الجامعية وثيقة اجتماعية لا علاقة بها بالعلم أو التعليم, فضلا عن انهيار البحث العلمي في غمار نظرية الأعداد الكبيرة علي حساب النوعية الهزيلة. مرة أخري إنني أريد أن أقول إننا نريد أن نفعل ما نقول وأن نقول ما نفعل.
الأقباط
دعاني مجموعة من الأشقاء الأقباط الذين استقر في وجدانهم تراث الوطنية المصرية لاجتماع ضم عددا من الشخصيات العامة من المصريين المستنيرين لمناقشة قضية الإصلاح الدستوري ولقد لفت نظري أمران أولهما هو أنهم يقبلون المادة الثانية في الدستور الحالي علي ما هي عليه ولا يمسون النص حول الشريعة الإسلامية مصدرا رئيسيا للتشريع باعتبار أن هويتهم وإن كانت مصرية إلا أن ثقافتهم عربية إسلامية قبطية. أما الأمر الثاني فهو أنهم يرفضون قبول الأصوات التي يتحدث أصحابها عن نظام الحصص وتخصيص المقاعد في البرلمان وما دونه وفقا للديانة وهم في ذلك يمضون علي نهج آبائهم وأجدادهم العظام الذين رفضوا ذلك أثناء المداولات التحضيرية لدستور1923 وتزعمهم في ذلك الوقت' عزيز ميرهم' وغيره في غمار روح الوحدة الوطنية بعد ثورة1919. وأنا اعترف هنا أن الشأن القبطي يحتاج إلي نظرة مصرية خالصة تعلي من مبدأ المواطنة وتجعل الوظائف العامة ـ لا سيما في الكوادر الخاصة ـ مفتوحة في عدالة وتوازن بين المصريين بلا تفرقة مهما كانت الظروف والمبررات, فنحن جميعا من طين هذا الوطن وشربنا من نيله العظيم فلنعش روح العصر الحديث ولنواكب مفهوم الإصلاح الحقيقي للحياة السياسية المعاصرة.
المرأة
تقاس مكانة الأمم ودرجة تقدم الشعوب بدور المرأة وما تحقق لها من مكاسب. وهنا لابد أن أعترف أننا نتحدث كثيرا حول وضع المرأة المصرية ولكننا لم نتقدم خطوات كبيرة في هذا المجال رغم الجهود المبذولة, بل إن دولا عربية وإسلامية كثيرة قد سبقتنا في هذا السياق مع أننا حملة تراث' حتشبسوت' و'نفرتيتي' وحتي' كليوباترا' و'شجرة الدر' فضلا عن تاريخ إسلامي ترصعه أسماء خالدة من المجاهدات المؤمنات وصولا إلي عصر' هدي شعراوي' ورفيقاتها من المصريات اللامعات علي مسرح الحياة العامة في وطننا خلال القرن الماضي, وهنا لا أجد مانعا لدي من أن أقول إنني أتمني أن يتضمن الدستور المعدل نصا يشترط أن تمثل كل محافظة في الدولة المصرية بامرأة واحدة علي الأقل في الانتخابات البرلمانية ويمكن أن يكون ذلك لمرحلة انتقالية متدرجة إلي أن يتمكن الرباعي المتمثل في التعليم والثقافة والإعلام والمؤسسة الدينية من تغيير مفاهيم الناس حتي يدرك الجميع أن رقي المرأة هو ارتقاء بالمجتمع كله.
.. هذه قضايا أربع أطرحها في شفافية كاملة وموضوعية مخلصة أبتغي بها وجه مصر' أم الدنيا' و'كنانة الله في الأرض'' المحروسة دائما'.
جريدة الأهرام
http://www.ahram.org.eg/Archive/2006/12/26/WRIT1.HTM