شرفني مجلس الشوري بعضوية المجلس القومي لحقوق الإنسان عام2003, فكان من الطبيعي أن أتابع الزوبعة الأخيرة التي أثيرت حول هذا المجلس والعاصفة التي كادت تهز أركانه, ولذلك سوف ألتزم الموضوعية الكاملة في السطور التالية لكي أسجل ما له وما عليه في هذه المناسبة ولعلي أوجز وجهة نظري من خلال المحاور التالية:
أولا: إن قضية حقوق الإنسان أصبحت قضية هذا الزمان' وموضة' العصر تتسابق نحوها الحكومات وتتجمل بها الأنظمة في إطار رأي عام دولي أصبح يري أن حقوق الإنسان أوسع بكثير مما ظن واضعو ميثاقه في نهاية الأربعينيات من القرن العشرين, فقد أصبحت لهذه المسألة أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية تجاوزت بكثير أبعادها الإنسانية والأخلاقية والدينية ونحن نري أن مصر قد دخلت هذا الميدان منذ أعوام قليلة بقيام هذا المجلس ليسد فراغا كبيرا في الحياة الفكرية ويملأ حيزا ضخما في ساحة الحياة العامة للوطن.
ثانيا: إن أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001 قد طرحت قضية حقوق الإنسان في الدائرتين العربية والإسلامية علي نطاق واسع وبشكل غير مسبوق لم يكن متوقعا من قبل, نعم إن هناك بعض الدول العربية والإسلامية التي عينت وزيرا لحقوق الإنسان مثل المغرب أو التي استخدمت لهذا الغرض منظمات غير حكومية مثل مصر إلا أن الدفعة القوية لهذا الموضوع قد ارتبطت بالحديث عن مشروع الإصلاح السياسي في الشرق الأوسط وارتباط ذلك بتغييرات جوهرية في نظم الحكم وسياسات الدول كمحاولة لتوفيق الأوضاع وإيجاد المواءمة مع المناخ الدولي الجديد.
ثالثا: إنني أظن أن المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر قد اكتسب_ في فترة قصيرة من عمره_ مصداقية واضحة علي المستويين الإقليمي والدولي وذلك رغم علمنا بأنه لم يسجل بعد لدي لجنة حقوق الإنسان في' جنيف' لأسباب تتعلق بأسلوب تكوينه وقواعد عمله والظروف المحيطة به,ومع ذلك فإنه يمثل إنجازا نعتز به خصوصا وأن رئيس البلاد قد تبني هذا المجلس ودعمه منذ البداية وتابع أعماله بإهتمام كما استجابت أجهزة الدولة ـ خصوصا وزارة الداخلية ـ لمعظم ماطلبه المجلس وهو أمر يعزز العلاقة الوثيقة بينه وبين غيره ويؤكد قدرته علي مواجهة المشكلات بأسلوب غير صدامي علي اعتبار أننا جميعا في قارب واحد و يجب ألا يزايد البعض علي الكل.
رابعا: لقد تمكن المجلس من إقامة شبكة علاقات دولية ناجحة مكنت له من استقبال عشرات الوفود البرلمانية والحكومية والأهلية لمناقشة أوضاع حقوق الإنسان في مصر كما واجه المجلس في موضوعية بعض الدعايات والمبالغات الموجهة ضد مصر, إلا أنني أعترف في الوقت ذاته بأن الصورة ليست وردية تماما كما أن هناك تجاوزات وأخطاء ولكن روح الإصلاح التي دبت في الوطن سوف تكتسح أمامها مثل هذه الجيوب المتعثرة.
خامسا: لقد فرضت مسألة الإصلاح الدستوري نفسها علي المجلس وأنا أعتقد شخصيا_ ولقد قلت ذلك أمام المجلس في اجتماعاته الأخيرة_ أن المجلس قد توسع في هذا الموضوع علي نحو اعتبره البعض خروجا علي أولوياته, وهم يرون أنه كان يجب الاكتفاء في هذا الشأن بالحديث عن المباديء العامة والتوصيات المطلوبة دون إعداد مشروعات نصوص مقترحة للدستور الجديد علي اعتبار أن هذه مهمة تشريعية ليست من اختصاص هذا المجلس الذي لديه ما يكفيه من الأعباء والمشكلات, بينما رأي فريق آخر من أعضاء المجلس أيضا أن الإصلاحات الدستورية هي من صميم اختصاص المجلس القومي لحقوق الإنسان وأنه إن لم يفعل ذلك لكان مقصرا في اداء رسالته والوفاء بالتزاماته, لأن الدستور هو أرفع وثيقة في البلاد ومناقشاتها حق مكفول للأفراد والأحزاب والنقابات والجامعات والهيئات والمؤسسات حكومية وغير حكومية, ومن هذا الاختلاف بين وجهتي النظر انطلقت حملة صحفية حادة لا أعتقد أنها في صالح المجلس ولا الدولة ولا المستقبل الواعد لقضية حقوق الإنسان في مصر.
هذه ملاحظات أردت أن أقدم بها لوجهة نظر أرجو أن يتسع لها صدر الجميع وهي أن النظام الذي تحمل جميع التجاوزات الإعلامية في الفترة الأخيرة ينبغي أن يتحمل أيضا مواقف المجلس القومي لحقوق الإنسان حتي وإن رأي فيها تجاوزا أو مغالاة, ذلك أن المجلس يشير في مناقشاته وتصريحاته إلي تطور ايجابي ملموس في قضايا حقوق الإنسان بدءا من أساليب التقاضي مرورا بأوضاع السجون وصولا إلي قضايا الحريات العامة, بل إن المجلس يشترك مع النظام السياسي في تبني العديد من الأطروحات المطلوبة للمستقبل مثل الاهتمام بالشأن القبطي وإزالة كل آثار المعاناة عن الأشقاء في الوطن,
كذلك الاهتمام بوضع المرأة المصرية وتكريم دورها علي نحو يلاحق روح العصر ويواكب التطورات التي تدور في عالمنا, ولقد حان الوقت الذي يجب أن تسود فيه الشفافية كل قراراتنا بل وأفكارنا أيضا إذا كنا نريد أن نخلق مجتمعا نظيفا في دولة عصرية نتطلع إليها ونتجه نحوها, ولعله من المناسب أن أضيف هنا أن قضايا حقوق الإنسان هي جزء لا يتجزأ من اهتمام المجتمع المدني, لذلك فإن الجمعيات والمنظمات الأهلية المصرية والعربية المعنية بحقوق الإنسان هي شريك أساسي في شئون المجلس وشجونه, ويجب ألا يتصور زملاؤنا في هذه المنظمات أن هناك خصومة مع المجلس تبيح لهم انتقاده بحق وبغير حق, بل يجب أن يدرك الجميع أن التكامل وليس التنافس هو منطق العلاقة التي يجب أن تسود في المستقبل لأن الرسالة واحدة والأهداف مشتركة.
إنني أظن صادقا أن المجلس القومي لحقوق الإنسان كيان مطلوب وإذا كانت هناك ملاحظات عليه فذلك أمر طبيعي خصوصا مع سنوات البداية, كما أن حياد المجلس وخروجه من أحضان النظام يعطي مصر مصداقية أكبر ومكانة أعلي هي ساعية لها وجديرة بها.
جريدة الأهرام
http://www.ahram.org.eg/Archive/2006/10/31/WRIT1.HTM