طالعت منذ أيام قليلة مقالًا لأستاذ أساتذة العلوم السياسية الوزير العميد على الدين هلال حول الوضع فى سوريا والموقف العربى من تطوراتها وإمكانية عودتها إلى مقعدها فى الجامعة العربية، وأسجل هنا صراحة أننى كنت من أكثر الناس استياءً عندما تقرر تجميد عضوية سوريا فى الجامعة لأسباب كثيرة أولها أن سوريا تاريخيًا هى رائدة الفكرة القومية وداعية العمل العربى المشترك والتى بشرت دائمًا بالتوجهات الوحدوية عبر تاريخها الطويل، وثانيها أن دمشق هى أقدم مدن المنطقة فهى أيضًا كما قال أمير الشعراء (عز الشرق أوله دمشق) كما أن سوريا لها خصوصية فى التاريخ المصرى الحديث على المستويين السياسى والثقافي، فالسوريون فى بلادهم وفى المهجر كانوا هم دعاة الوحدة السياسية وكانوا هم أيضًا رواد التعاون الثقافى مع مصر فى مجالات الصحافة والأدب والفن غناءً ومسرحًا وسينما، ولقد وجد السوريون فى القرنين التاسع عشر والعشرين فى مصر ملاذًا آمنًا لهم ولإبداعاتهم فى المجالات المختلفة ولأن مصر بلد بلا عقد ولا حساسيات فإنها رحبت بذلك وفتحت أبوابها بلا تردد حتى إن كثيرًا من المصريين لا يعنيهم أن فريد الأطرش وفايزة أحمد وصباح وعشرات غيرهم هم فنانون شوام لأن مصر تسع الجميع، حتى إن السنوات الأخيرة بعد وقوع المأساة السورية وخروج أبناء ذلك البلد العربى الأبى الذى كان يؤوى اللاجئين قد أصبح جزء كبير من شعبه لاجئين، والعظيم فى مصر أنها استقبلت من وفد إليها من ذلك القطر العربى الشقيق كمواطنين مصريين تمامًا ليست لهم معسكرات خاصة أو مخيمات معزولة بل مصر مفتوحة الذراعين لهم دون قيد أو شرط فأصبحت لهم مطاعمهم ومخابزهم ومقاهيهم وكلها مراكز جذب لإخوتهم المصريين بلا تحفظ أو تردد أو تمييز، أعود الآن إلى قصة هذا البلد الجريح مع أمة أطلقت سهامها عليه بدعوى اختلافهم مع الحاكم فى دمشق بينما الأمر يرتبط أصلًا بالشعب السورى حاضره ومستقبله، آماله وآلامه، تماسكه ووحدته ولقد غاب عن الكثيرين أن سقوط سوريا لابد أن يؤثر على العرب فى كل مكان، ولقد أصبح من المؤسف بل والمخجل لنا كعرب أن مصير سوريا يبدو معلقًا بقرارات إيرانية روسية تركية ومواقف متغيرة من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية الكبرى بينما نكتفى نحن بدور المتفرج ونتباكى على الشعب السورى بدموع التماسيح دون أن نقدم للقضية ما يمكن أن يدفع بالحل ويوقف معاناة ذلك الشعب العربى الأبي، ولعلى أدفع هنا بالملاحظات التالية:
أولًا: إن الخلط بين سلامة واستقرار سوريا فى جانب والموقف من الرئيس بشار الأسد فى الجانب الآخر هو تصرف يخالف الحقيقة ولا يخدم مستقبل الأزمة بل هو نوع من تكريس الخلاف وتوسيع الهوة وتشديد حدة العداء بين الأطراف المتصارعة فوق الأراضى السورية.
ثانيًا: إن مصر يجب أن تعتز بأن موقفها من المحنة السورية كان شريفًا دائمًا فلقد رفضت مصر توظيف المأساة لمصلحتها بل ووقفت داعمة كل محاولات التسوية حتى إن المندوب المصرى فى مجلس الأمن قد وافق على قرارين مختلفين فى يوم واحد وقد كان أحدهما قرارًا فرنسيًا والآخر روسيًا، وكان سبب قبول مصر القرارين هو وجود عامل مشترك بينهما وهو السعى لرفع المعاناة عن الشعب السورى الذى ضحى كثيرًا وقاوم طويلًا، وكنت أتصور أن تحتضن الأمة العربية شعبها السورى فى تلك الظروف المأساوية الصعبة لا أن يتركوه فريسة للتدخلات الأجنبية والهجمات الإرهابية.
ثالثًا: إننى أظن أنه عندما يتعرض بلد عربى لظروف استثنائية فإنه يجب علينا أن نحتويه لا أن نعزله والذى حدث بالنسبة للمحنة السورية أننا ابتعدنا عن دمشق واكتفينا بالمواقف المتشددة دون دراسة متأنية للفاتورة التى يدفعها الشعب السورى بعد ذلك، وكان من نتيجة إقصاء سوريا عن الجامعة العربية وقطع العلاقات الدبلوماسية معها أن ارتمت فى أحضان إيران وكأننا قدمنا بذلك خدمة كبيرة لطهران وحلفائها فى المنطقة، وأنا ممن يعتقدون أن سياسة العزل والإبعاد هى سياسة خاطئة ورثناها من بعض الأطروحات الثورية غير المدروسة فى النصف الثانى من القرن الماضي.
رابعًا: لقد دعا السيد الأخضر الإبراهيمى مجموعة من الدبلوماسيين والمفكرين المصريين عند بداية توليه منصبه مبعوثًا أمميًا وعربيًا للأزمة السورية وكان ذلك فى مسكنه بالزمالك حيث حضر لفيف من المعنيين بالقضايا القومية والأوضاع العربية من بينهم وزراء سابقون للخارجية وسفراء ورجال إعلام وصحافة، وكان السؤال المطروح من ذلك الدبلوماسى الجزائرى المخضرم هو: ما هى نقطة البداية لتحركى فى مواجهة هذه الأزمة؟ وتفاوتت إجابات الجميع من منطلقات مختلفة ولكننى قلت له يومها إن لاعبين جددا فى هذه الأزمة لم يظهروا بعد على السطح وذكرت تحديدًا روسيا الاتحادية واهتمامها المنتظر لأن يكون لها دور فى مستقبل سوريا ومازلت مؤمنًا بأنها هى التى غيرت موازين القوى حتى وصل الأمر إلى ما نحن عليه بحيث يصبح كل من كانوا جزءًا من المشكلة جزءًا من الحل أيضًا.
خامسًا: إن العلاقات المصرية السورية ذات خصوصية تاريخية وبشرية وهو ما يدفعنا إلى الرغبة فى تبنى مصر دورًا تمهيديًا فى جامعة الدول العربية أو بالتواصل المباشر مع النظام فى دمشق للوصول إلى بداية تحدد ملامح التسوية النهائية حفاظًا على وحدة الأراضى السورية واستقرار ذلك البلد العربى المهم ورفع المعاناة عن شعبه الشقيق.
هذه رؤية خاطفة لمشكلة طالت وأفرزت أشلاء ودماء وضحايا ولاجئين وأصابت العمل العربى المشترك فى مقتل وسمحت لأطراف خارجية أن تضع أقدامها فى المنطقة بعد أن كنا نتوهم أن ذلك لن يحدث من جديد.
جريدة الأهرام
http://www.ahram.org.eg/NewsQ/693517.aspx